الجاليات المسلمة في أوروبا في مواجهة تداعيات شارلي إيبدو

تم نشره الإثنين 26 كانون الثّاني / يناير 2015 02:06 صباحاً
الجاليات المسلمة في أوروبا في مواجهة تداعيات شارلي إيبدو
ياسر الزعاترة

لم يمض وقت طويل على هجوم شارلي إيبدو في باريس حتى بدأت الاعتقالات والمطاردات في عدد من الدولة الأوروبية لما يسمونها خلايا إرهابية، ما يعيد إلى الأذهان تلك السنوات التي تلت هجمات سبتمبر في الولايات المتحدة، بخاصة في الأراضي الأمريكية التي شهدت عمليات اعتقال بلا حصر راح ضحيتها جحافل من الأبرياء، فضلا عن مطاردات لجمعيات خيرية ولرجال أعمال بتهم تمويل الإرهاب، مع العلم أن كثيرا من تلك القضايا في أمريكا وأوروبا قد انتهت بتبرئة المتهمين.
بل إن الأسوأ من ذلك هو عمليات الاستدراج التي قام بها جهاز “الأف بي آي”، وعدد من الأجهزة الأمنية الأوروبية لشباب متحمسين من خلال عملاء يقومون بإقناع أولئك الشبان بضرورة الجهاد، ثم يجري القبض عليهم بتهم التخطيط لأعمال إرهابية، في ممارسات لا تمت إلى الأخلاق بصلة.
وفي حين وجدت أمريكا من يقول لها (لا) بعد هجمات سبتمبر، بخاصة بعد أن قررت غزو العراق، فإن لوثة أوروبا بعد هجوم شارلي إيبدو لا تجد لها من العقلاء من يضعون لها بعض الكوابح (دعوات التعقل تضيع وسط هيجان الموقف)، وها إن عمليات الاعتقال والمطاردة قد انطلقت دون حساب في بلجيكا وألمانيا وفرنسا ودول أخرى.
ليست المصيبة في مطاردة أعداد بسيطة من المسلمين؛ فكروا، أو يشير نمط تدينهم إلى إمكانية التفكير في أعمال عنف ضد مصالح معينة في بلدانهم، رغم أن حقوق الإنسان ينبغي أن تبقى حاضرة هنا، من حيث رفض الأخذ بالشبهة، فضلا عن الاستدراج، إذ إن المصيبة الأكبر هي في جعل كل مسلم في دائرة الشبهات، بخاصة إذا كان متدينا. وإذا علمنا أن التدين بات سمة عامة في أوساط الجاليات الإسلامية في الغرب، فإن ذلك يعني أنها باتت مستباحة، ومعها كل المؤسسات الإسلامية التي تعمل لعقود ولا صلة لها أبدا بأي شيء له علاقة بالعنف.
من هنا يمكن القول إن الجاليات الإسلامية في البلدان الأوروبية قد وُضعت الآن في دائرة الشبهات، ومن الواضح أيضا أن هناك قدرا كبيرا من التحريض عليها، ليس فقط من قبل أوساط يمينية بدأت تنمو قبل هجوم شارلي إيبدو، وإنما من أوساط صهيونية أيضا، ومن يتابع الإعلام الإسرائيلي لا بد أن لمس حجم التحريض ضد تلك الجاليات طوال العام الماضي كما لم يحدث من قبل، وبات التحذير شبه يومي من أوروبا إسلامية، أو ما يسمى أسلمة أوروبا، مع القول، إن الخطر هو من جميع المسلمين، وليس فقط ممن يسمونهم إرهابيين، وحين يحدث ذلك في الإعلام الإسرائيلي، فلا شك سيجد أن ذلك سيجد صداه في الإعلام الذي يسيطر عليه الصهاينة في الغرب أو يوجهونه.
لا شك أن الجاليات المسلمة في الغرب تمثل رصيدا كبيرا للأمة، في ذات الوقت الذي خدمت فيه الدول التي تعيش فيها، وحين يجري التركيز على حفنة من الشبان تورطوا في العنف، فإن ذلك ينطوي على تجاهل مقصود لجحافل من المسلمين الذين كانت لهم مساهماتهم العلمية والأدبية المعتبرة، حيث قدموا أمهر الأطباء والتقنيين ورجال من النخبة على كل صعيد.
ولعل ذلك هو السبب الذي جعلنا نقول، إن أضرار العمليتين في باريس، وأي تفكير في العنف في تلك الديار هي أكبر بكثير من أية مصالح محتملة يحسبها البعض، مع الرفض المبدئي لاستهداف إنسان مسلم يعيش في تلك البلاد لمواطنيها بدعوى الدفاع عن قضايا الأمة، لأن قتال الأمة لمن يقاتلونها ينبغي أن يتم (وهو تم ويتم فعلا) في المكان والزمان الصحيح.
في أي حال، فقد دخلت الجاليات الإسلامية في مرحلة صعبة، ولا شك أن ضرب ربيع العرب، وعودة الأنظمة إلى غطرستها القديمة سيجعل استهداف المسلمين في الغرب من قبل أنظمته أمرا سهلا دون الخشية من ردود فعل. ومن هنا ليس أمام الجاليات غير التماسك في مواجهة العاصفة، وصدها بكل السبل المتاحة، مع الاستفادة من الأصوات العاقلة التي لا تزال موجودة في الغرب وترفض أخذهم بجريرة أفعال لم يُستشاروا بها.

(الدستور 2015-01-26)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات