التربية والتعليم في المواجهة
المدينة نيوز - ان معرفة ما هو صواب شيء، وامتلاك القوة والعزيمة وأنت مدرك لما ستواجهه لتفعل الصواب شيء آخر. فإدراك الصواب وعدم القيام به خوفاً أو عدم اكتراث شيء يدل على مضامين كثيرة قد تكون أقلها اللامبالاة، وبالتالي لا حاجة لنا لهذا الشخص، وأن تدرك الصواب وتحاول القيام بوضع أسس له ليكون صواباً خالصاً، رغم إدراك كبر المسؤولية والمواجهة التي ستواجهها فنحن بأمس الحاجة لهذه النخبة. لأن هناك دائماً قوى داخلية تملئ كل شخص فينا قد تكون مليئة بالشر وقد تكون مليئة بالخير، ومن الممكن أن تكون مليئة بالخير والشر معاً، وقد يغلب أحدها الآخر تارةً وقد نستسلم للأخرى طواعية تارةً أخرى.
كل ذلك يستند على طبيعة ومفهوم الواجب في الصواب، وهل يستند على الخير أم الظفر بالغنيمة، وإن كان يستند على الغنيمة فبئس الاختيار هو، وأما إن كان يستند على الخير فنعما هو. فالانسان إما أن يكون تواقاً لعمل الخير ويبحث عنه أو أن يكون تواقاً للشر ويبحث عن مداخله ليظفر بالغنيمة ويتقاسمها مع الآخرين.
في ظل هذه التضادات الموجودة، ندرك تماماً أن هناك أشخاص يميلون إلى فعل الخير ليوائم الصواب وهو يمتلك العزيمة لفعله، ولكنهم يواجَهون بالطرف الآخر الذي يعرف الصواب ولكنه ينهى عنه لأسباب فئوية تائهة تتمسك بمقومات الخير ولكن باطنها هو الشر.
فقد يخطأ الانسان في أي قضية، ولكن الخطأ الأكبر يكمن في انتظار الخطأ وتناسي الصواب، حتى ولو كان الصواب طاغياً على الخطأ، إلا أن طبيعة الشخص الرافض للصواب لن ينظر للصواب على اعتباره انجاز، بل سيبقى منتظراً هفوة في الصواب يسميها الخطأ ليمسك به ويشهر به على اعتبار أن آخر ما بناه الصواب هو الخطأ برأيهم.
فهم يتمسكون بالإشكالية، ويتناسون المشكلة، ولمن لا يعلم فهناك فرق واضح بين المفهومين رغم أنهما يحملان نفس الاشتقاق اللغوي، أي أن لديهما قاسم مشترك هو جذر الكلمة ولكنهما يختلفان اختلافاً كلياً في تفصيل معانيهما. فالتثبت في طرح الاشكالية من وجود الشيء وعدم العودة إلى أصل المشكلة لمحاولة حلها عن طريق إدراك خطوات صواب الحل، هو إشكالية بحد ذاته. وكون معالي الوزير يقع في مشكلة لا يعني أن هناك اشكالية مستعصية الحل. فالمشكلة يمكن حلها بطريقة بسيطة جداً بينما الاشكالية تحتاج لجهود كبيرة قد يستحيل التقائها.
وهذا ما تقوم به التيارات صاحبة الشد العكسي في وزارة التربية والتعليم، التي تحاول أن تخلق إشكالية في المنظومة التربوية هي أصلاُُ ليست موجودة، بل هي مجموعة مشكلات يمكن حلها بالتعاطي مع جدية وجود أو عدم وجود المشكلة، كون الآخرين في الاتجاه المعاكس يخلقون مشكلة ليصنعون اشكالية غير قابلة للحل. فتارةً يدعون لاعتصام كون "الاشكالية برأيهم" لم يتم حلها، في حين أن وزير التربية والتعليم يتعاطى مع الوضع كونه "مشكلة" قابلة للحل ولكنها تحتاج لتجاوب بين الطرفين. وما بين "الاشكالية" التي يعلنها البعض و"المشكلة" التي يعلنها الآخر، نكون نحن الخاسرين كمجتمع مازال يؤمن بوجوب ثقافة وتربية أولاده بعيداً عن المهاترات السياسية الفئوية التي يطرحها الطرف النقيض للتعليم –رغم اندماجه به- تحت شعارات بعيدة كل البعد عن الصواب والمنطق التربوي. وكلنا نعلم أن أصحاب الشد العكسي مختبئين بستار الديمقراطية النقابية، كونهم خسروا معاركهم الأخرى في الساحة السياسية هنا أو هناك بعيداً. ويحاولون دائماً أن يستعرضوا قواهم الواهمة للآخرين بأنهم على صواب بينما هم يدركون أن الصواب هو عكس معتقداتهم. فمن يحارب بلقمة العيش تحت مسميات حقوقية، إنما هو بعيد كل البعد عن الصواب، فكيف يحارب الحقوق بالابتعاد عن الحقوق الأخرى لأهداف مرة أخرى أؤكد أنها سياسية فئوية بحتة.
فلنتكاتف معاً إن أردنا الحقوق، ولنعط بعضنا الآخر فرصة الصواب، لأن الصواب هو نحن عندما نحافظ على أبنائنا في مدارسهم وفي تربيتهم. فنحن لا نبحث عن الاشكالية لأن المشكلة هي أبسط من ذلك، ويكفي استخفافاً بعقولنا. معالي الوزير، ليبارك الله في كل جهودك نحو الصواب ، وليعنك الله على الخطأ المزروع فينا.