أي تنوير وأي تحضر؟!

تم نشره الأحد 01st شباط / فبراير 2015 01:33 صباحاً
أي تنوير وأي تحضر؟!
جميل أبو بكر

نقرأ في كل يوم لكتاب من تيارات فكرية متعددة بعضها شبه منقرض، أو محدودة الحضور، فنرى عجبا، حيث تضطرب المعايير وتتناقض الأحكام وتختل القيم، وتطالع مدادا أسود، يسيل حقدا مثله على صفحات صحف أو في مواقع الكترونية، أو ينطلق من فضائيات، في صيغة تحليل أو نقد للإسلاميين بأقذع الأوصاف، وبأبعد الأحكام عن النزاهة أو الإنصاف، أو حتى المعقول، سواء كان سلوكهم صوابا أم خطأ، ديمقراطيا متقدما أو دون ذلك! يتشفون بخسارتهم، ويتمنون زوالهم، كل ذلك بمنطق غرائزي لا يقيم وزنا للمشاعر الإنسانية الراقية أو قيمها النبيلة. دون غفلة عن توشيح ذلك بادعاءات عريضة بالتنوير والتحضر. فإن وقفوا موقفا على نحو طالب به هؤلاء أو اعتبروه معيارا للتعقل وحسن النية في حين فإنه في حقهم يعكس ضعفا وهزيمة! وإذا حصلوا على بعض حقوقهم بعدالة، أو لكونهم أغلبية أو تيارا واسعا ومؤثرا فهم استحواذيون وظلاميون سيغرقون البلد أو المنطقة بطوفان من نوع ما! كما أنهم لا يعرفون المعنى الحقيقي للشراكة، أو روح الديمقراطية الراسخة، وظروف المرحلة وتعقيدات الواقع. علما بأن الإسلاميين ونعني بهم المعتدلين، يعترفون بأي شيء من هذا إذا كان صحيحا وموضوعيا.
فمثلا إذا استجابت النهضة في تونس، وهي تمثل الأغلبية في البرلمان، وتخلت عن رئاسة الحكومة ورضيت بحكومة غير حزبية لمصلحة وطنية عليا، فلضعفها أمام ضغوط القوى الأخرى المعارضة -حسب زعمهم- ولا فضل لها في ذلك! وإذا أعلنت قبولها نتائج الانتخابات وباركت للفائز كسلوك ديمقراطي راق، فلتراجع حظوظها في الانتخابات! وإذا أعلنت عن دعمها شخصية وطنية نقية، وأحد رموز الثورة، ويعتنق فلسفة علمانية معتدلة فهو دمية!
لكن إذا انقلب حزب نداء تونس مع ما يمثل من امتداد للنظام الذي ثار عليه الشعب، على شعاراته بحرصه على الشراكة وتجنب الانفراد بالسلطة، فلخبراته الطويلة في الحكم ولإدراك الشعب الحقيقة بوعيه المتنامي! وإذا حاز الإسلاميون على ثقة شعبية، وعلى ثقل في مؤسسات الحكم، فخطر يهدد الديمقراطية، أما فتح أبواب المشاركة والشراكة مع رموز وعتاة من الأنظمة المخلوعة، فضرورة لخبرتهم وواجب لأنه لا يجوز الإقصاء، ومثل هذا كثير في مختلف الدول التي شهدت ربيعا عربيا أو لم تشهد.
ولو قارف الإسلاميون قدرا يسيرا من هذا السلوك، لاتهموا بالإجرام أو التوحش. ولكم نظر هؤلاء للديمقراطية، ولكم أثقلوا أسماع الناس بالحديث عن التنوير والحداثة، الذي يثير أسئلة تشككية في خلد الناس حول النوايا والمقاصد، ثم ما هو إسهام فكر أو قلم أو تعبير يشخب حقدا، أو يقطر شماتة، أو لا يفتر عن التحريض العدائي، في التنوير وبناء وعي بأمانة ومسؤولية أخلاقية ووطنية؟ وكيف يمكن بناء تفاهمات وثقة بين مختلف الاتجاهات والقوى لمواجهة الغلو والتطرف وللتصدي لتحديات الاستقرار والأمن والتنمية والنهوض؟
وهل هؤلاء فعلا متنورون والإسلاميون-المعتدلون طبعا- ظلاميون؟ وهل يبقى تنوير وحداثة وتمدن عندما تتحكم غرائز الانتقام والتشفي أو التجني في الموقف أو السلوك ؟ أما آن الأوان لهؤلاء القوم من أبناء امتنا أن يقتنعوا أن الإسلام لن يخرج من المنطقة ولن يغادر مواقعه أو أدواره في تحرير شعوب الأمة وكرامتها وإعتاق إرادتها وبناء نهضتها وحفظها من نوازع التطرف والانغلاق وعلى هدي الاعتدال والوسطية؟ فلن تخلو الأرض يوما من قائم لله بحجة، ولا من دعوة أو حركات إسلامية أصيلة تستلهم روح الإسلام العظيم،لا يعيبها وجود تيارات أو جماعات متشددة أو لديها شذوذ في فهم الإسلام، ففي كل الأديان صحوات ولا يبرأ تيار من غالين. ويبقى السؤال لماذا كل هذا العداء لما يطلق عليه الإسلام السياسي؟ إن الإجابات غير المتحيزة على تلك الأسئلة، وكذلك الاستجابات الجامعة لشروط التقدم والازدهار في مواجهة التهديدات، وتوسيع دائرة المشترك ومساحات التلاقي، وتعظيم التوافقات، والبعد عن التضليل والافتراء كفيل أن يضع مركبة نهضة الأمة في أي قطر أو مصر على سكة الإقلاع ومعراج الصعود.
ونقول لأبناء امتنا هؤلاء إن عديدا من المفكرين والسياسيين والكتاب والمثقفين في العالم وبخاصة في الغرب يدركون بعمق تلك الحقائق المذكورة أنفا، ويقرؤون واقعنا وتاريخنا بعقل منفتح وبموضوعية، ويرون المستقبل في ضوء السنن المجتمعية والتاريخية، ويدعون الى فهم التحولات والتغييرات بعيدا عن الرغائب والأمنيات، أفلا يكون هذا أولى بنا؟

(السبيل 2015-02-01)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات