الملكية الفكرية .. بضاعتنا وردت إلينا !!.
![الملكية الفكرية .. بضاعتنا وردت إلينا !!. الملكية الفكرية .. بضاعتنا وردت إلينا !!.](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/35200.jpg)
المدينة نيوز - كم يحزنني وأنا أشارك في العديد من ورش العمل والندوات والمؤتمرات الخاصة بحماية حقوق الملكية الفكرية أن أسمع من بعض المحاضرين بان حماية حقوق الملكية الفكرية عموماً وحماية حق المؤلف خصوصاً هي صنيغة أوروبية قديمة وأننا كعرب لم نعرف -على الرغم من كل إبداعتنا - هذه الملكية إلا حديثاً، وكم يؤسفني بنفس الوقت أن أرى وأسمع البعض يغيب بقصد أو من دون قصد دور العرب والمسلمين في إقرار حد أدنى من الحماية لهذه الملكية ويتغنون ويطربون على الإبداعات الغربية التي كفلت لهذه الملكية الحماية اللازمة بينما كنا نحن نغط في سبات عميق!!
إن مصدر حزني وأسفي نابع من المعرفة الأكيدة المؤسسة على حقائق وقرائن قطعية لا تقبل التشكيك تفيد بان العرب والمسلمين كانوا السباقين في التعرف على أحدى أهم مفردات الملكية الفكرية وإقرار الحماية اللازمة لها وأقصد بذلك حق المؤلف، وللتدليل على صحة وصدق ما تقدم أبين الحقائق التالية :
- كان الطارؤون في مجالي الشعر والنثر ينتحلون ويقتبسون - دون وجه حق – بعض الأبيات أو الجمل أو الفقرات الشعرية أو النثرية ويقومون بإلقائها بين أيادي السلاطين طمعا في العطايا والهبات ، مدعين – غصبا- بأنها نتاج تفتق قريحتهم الفكرية والأدبية ، وهو الأمر الذي كان يثير حفيظة المالك الأصلي لهذه الأبيات والجمل ويدعوه للغضب الشديد ومقاضاة سارق حقوقه الفكرية وإبداعاته الأدبية، وفي هذا الشأن نجد ان العرب قد عرفوا قبل غيرهم العديد من صور السرقات الأدبية وجرموها، منها النسخ وهو أسوأ ألوان السرقة ، والسلخ والمسخ وهو سرقة المعنى دون اللفظ ، ومنها الاصطراف وهو أن يعجب الشاعر ببيت في الشعر فيصرفه إلى نفسه ومنها الاجتلاب و الانتحال وهو أن يدعي الشاعر شعر غيره وينسبه إلى نفسه ومنها الاهترام وهو ان يتساوى المعنيان دون اللفظ، ومنها الإغارة وهو أن يصنع الشاعر بيتا ، ويخترع معنى مليحا فيتناوله من هو أعظم منه ذكرا وأبعد صوتا فيروى له دون صاحبه، ومنها المرافدة وهي أن يعين الشاعر صاحبه بالابيات فيهبها له، ومنها الاختلاس وهو تحويل المعنى من غرض إلى غرض ومنها المواردة وهي ان يتفق الشاعران دون ان يسمع احدهما بقول الآخر ومنها الالتقاط والتلفيق وهما أن يؤلف الشاعر بيتا من أبيات قد ركب بعضها من بعض، وبعد أتساءل هل تعرفون قوماً أو بشراً تناولوا موضوع السرقات الأدبية بهذا الشكل الواسع .. بالطبع لا يوجد ، فكيف إذن ندعي بان العرب لم يعرفوا الملكية الفكرية إلا من خلال التقنينات الغربية..؟؟!!
- على الرغم من عدم وجود وسائل اتصال أو نشر عند العرب قديماً إلا أن المؤلفات الأدبية سواء الشعرية منها او النثرية كانت تنتشر بسرعة على لسان كل فرد، من خلال المنافسات الموسمية التي كانت تعقد بين المؤلفين في الأسواق كسوق عكاظ ، فكانت هذه المنافسات تمثل إجراءات الإيداع في وقتنا هذا وكان المسؤول عن حماية هذه المصنفات المجتمع ككل ، ولهذا كان من المستهجن أن يقوم شخص مهما كان بسرقة عمل (مصنف ) شخص آخر.
- الثابت فعلاً وواقعاً أن الدولة الإسلامية كانت تتعامل مع صور الملكية الفكرية من خلال إحدى طريقتين، الأولى:هي تكليف بعض العلماء للكتابة بموضوع تقوم هي بتحديده كما هو الحال بالنسبة لكتاب الموطأ للأمام مالك وهو ما يعني قيام الدولة الإسلامية بشراء الحقوق المالية للمصنف وإحلالها محل المؤلف فيما يتعلق بالاستقلال المادي على أن يقتصر دور المؤلف هنا على مجرد التأليف فقط دون التمتع بأية حقوق مادية التي تنتقل إلى الدولة الإسلامية وهذا يقابل بل ويطابق ما تقوم به بعض المؤسسات الحالية تجاه بعض المؤلفين والمصنفات، والثانية : أن تتفق الدولة الإسلامية مع بعض المؤلفين على شراء كافة إبداعاتهم وأعمالهم الفكرية وتقوم هي بتخصيصها للانتفاع العام مع التزامها بعدم المساس بالحقوق الخاصة للمؤلفين.
- لم تقتصر معرفة الدولة الإسلامية للإبداع الفكري على التأليف فقط ، بل يبدو أنها أولت الألحان والتأليف الموسيقي عناية خاصة إن لم تكن تتساوى والعناية الحالية فهي أكثر منها وأقوى ، ففي الأندلس عاصمة الموسيقى إبان الحكم الإسلامي ، وجد عرفا يقضي بتمتع الألحان الموسيقية الممزوجة بالجمل الأدبية بالحماية الكاملة ولمجرد أدائها في المرحلة التنوينية وليس بعد إعلانها ونشرها مما يجعل تلك الحماية للألحان مطابقة لما تنص عليه أحكام الحماية المقررة في وقتنا هذا.
- أن العرب والمسلمين عرفوا الملكية الفكرية وأولوها العناية اللائقة، ولا ينتقص من هذه الحقيقة كون أن هذه المعرفة وتلك الحماية لم تأخذ شكل التشريع المكتوب، فالمعرف عرفا كالمشروط شرطا، وبالتالي فان الأعراف العربية الإسلامية القديمة كانت تقرر لمفردات الملكية الفكرية الحماية اللازمة والكفيلة لضمان عدم التعرض لها والمساس بها.
- إن نواة حماية المؤلف في الدولة الإسلامية كانت فيما سنه الصحابة – رضوان الله عليهم – لتوثيق نسبة الحديث النبوي وما تطور عن ذلك ليصبح ما يعرف بعلم الجرح والتعديل ، ومع توسع الدولة الإسلامية تطور مفهوم حماية المؤلف ليتضمن المبادئ الأساسية من حفظ حق المؤلف وتحريم السرقة والانتحال فيما يعرف بقراصنة الكتب ، وتضمن التشريع الإسلامي أحكاما تكفل حماية المؤلف من التعدي على حقوقه فكان الاستيلاء على حق الغير محرما ، وهكذا عرف التاريخ الإسلامي حق المؤلف قبل غيره من الأمم وكان الهدف منه آنذاك هو حماية حق المؤلف ومراعاة الصدق والأمانة العلمية .
وانطلاقا مما سبق يمكننا القول بأن العرب قد عرفوا الملكية الفكرية وان كانت ليست بالشكل القائم حاليا ، إلا أنهم على الأقل عرفوا أن هناك إبداعاً فكرياً أو نتاجاً عقلياً وذهنياً لابد من حمايته وعدم المساس به وهذه هي قاعدة فكرة حماية الملكية الفكرية الحديثة، ولهذا نقول لكل المعجبين بالتشريعات الغربية الخاصة بالملكية الفكرية أن هذه الملكية هي بضاعتنا وردت إلينا وليس لأحد من الغرب فضل علينا