الصَّفعةِ الكُبرى
لم يمضِ على الصَّفعةِ الكُبرى التي وجّهها صعاليكُ داعش، باسم الدين الإسلامي الحنيف لشعوب الأرض جمعاء بإعدامه الطيار الأُردني مُعاذ الكساسبة -رحمهُ الله- حرقاً، حتى قرر التنظيم الأكثر إرهاباً في العصر الحديث، وفي آخر بدعه وأعاجيبه إعادة كتابة القرآن الكريم وتعديل وحذف بعض الآيات التي وردت فيه، ولاسيما في سورة "الكافرون".
وبدعوى أن كتاب الله المُقدّس قد تعرَض للتحريف على أيدي بعض رجال الدين المسخرين لخدمة أديان وطوائف أخرى كالمسيحيّة والشيعيّة.
ويحملني ذلك على تساؤلٍ: هل أنّ الخالق العزيز الجبّار ليس بقادرٍ على حفظ كتابه لتتولَّى ذلك شرذمةً ضالّة مُضلَّلة من بني البشر وهو القائل جلّ في علاه "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" فصلت/41-42.
ومن واقع درايتي ومعرفتي المتواضعة في اللغة العربيّة، لغة كتاب الله الذي ما جاء إلا رحمةً وهًدىً للعالمين، أرى أنّ في هذه الآية -كما في كثيرٍ من الآيات القُرآنية- عهداً قد اتخذه الله على نفسه "وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ"، بحفظ هذا الكتاب وقطع اللّغط منه، حيث أنّه كما هو واضحٌ في الآية الكريمة "إنَّهُ لكتابٌ عزيز، أي أن الله قد أعزّه بحفظه من التأويل والتبديل فيه، وأنه كتابٌ لا يستطيع أياً كان من إنسٍ أو جان، تغييره أو تبديله أو التحريف فيما نزل به.
وأرى أن قرآننا العظيم، الذي جاء رحمةً وهدىً للعالمين، والذي لا جدل في أنَّه الكتاب السماوي الوحيد الذي لم يتعرّض للتبديل والتحريف، بشهادة جميع أبناء البشرية الدارين بالأديان والعارفين بما مرّت به على مر العصور، ما كان سيحملُ الهُدى أو الرّحمة لبني آدم جميعاً، لو أنَّهُ مرَّ بتحريفٍ أو عبثٍ من بعض البشر كما تدّعي هذه الفئة الخارجة عن الدين والسلوك البشري القويم.
وكذلك توضِّحُ لنا الآية الكريمة "إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" الحجر/9، أنَّ اللهَ عز وجل، قد تكفَّل بحفظِ كتابه المُبارك من عبثِ العابثين وكيدِ الحاقدين، باستخدام ملائكته ورُسُله وأولي الألباب من بني البشر، ومما لا يُمكنُ أن يكون أو يصحُّ، أن يُوكلَ العزيزُ الجبَّار إحدى أكثر فئات الأرضِ بشاعةً وإجراماً بحقِّ الإنسانيَّة، لحمايةِ كتابهِ الكريم وصونه من التحريف وغيظِ أعداء الدين، وهو الذي من صفاته العدل والرَّحمة.
ويقول جل وعلا "وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ" الحاقة/44-47.
وإذا كان هذا الوعيد في حق سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف هو الحال في من يسعى لتحريف كتاب الله والتقول على الله فيما لم يقله؟ وبهذا القياس يمكن الاستدلال من هذه الآية على أنه لا يستطيع بشرٌ أن يزيدَ أو ينقصَ من كتابِ الله شيئاً، حيث العقوبة العاجلة ستكون له بالمِرصاد.
وأخيراً.. إنَّ داعشَ التي سَبَت نساءً، وقطَّعت رؤوساً، وفتكت في عبادِ الله صغيرهم وكبيرهم، وما تركت مكاناً وصلته إلا وأحلَّت لرجسِها وعُهرِها سبيلاً فيه باسم الله والدين، إنْ اجترَأتْ على كتاب الله الكريم، الذي فيه أمناً للبشرِ وملاذاً وراحةً ويقين، فلن تَلقى سوى سخطاً وغضباً من الله عز وجل، يُهلكُها ويخسف بها الأرض كغيرِها من السالفين الذين افتروا على الله كذباً واجترؤوا على آياته اللا لغط فيها ولا تأويل ولا تبديل، حتى ولو عدَلت عن قرارِ "تعديل" كلام الله عزَّ وجل، فباجترائِها على إشاعةِ أنَّه كتابٌ "مُحرَّفْ"، قد دَعَت هلاكها لنفسِها وعجَّلته.