عودة "الربيع العربي"

تم نشره الخميس 12 شباط / فبراير 2015 01:59 صباحاً
عودة "الربيع العربي"
إبراهيم غرايبة

ثمة ظاهرتان على الأقل يمكن الاستشهاد بهما في بناء الوعي العربي الجديد، والاستنتاج على ضوئهما أن "الربيع العربي" سيعود من جديد؛ ربما ليس بالصخب والعنفوان السابقين، لكن النتائج والتحولات المتوقعة سوف تكون كبرى ومهمة، وتغيّر جوهرياً في العلاقة بين الأنظمة السياسية والمجتمعات والأسواق، وفي حراك النخب وتدويرها.
ظهرت بعد "الربيع العربي" تيارات شبابية تعبر عن اتجاهات فكرية وسياسية ودينية، لم يكن يُسمع لها صوت من قبل، أو كان صوتها خافتاً. وكان يُظن أنها محصورة في جيل سابق، وفي أوساط اجتماعية وثقافية محددة. لكن هذه الاتجاهات والأفكار؛ العلمانية والليبرالية والوسطية، تبدو اليوم أكثر انتشاراً وأقوى صوتاً، والأهم أنها تنتشر بقوة في أوساط المتدينين، وفي أوساط وطبقات اجتماعية ومهنية كانت تصنف تقليدياً وواقعياً على أنها محافظة ومناصرة للإسلام السياسي والتيارات الدينية. ويمكن اليوم الحديث عن "متدينين علمانيين" و"متدينين ليبراليين"؛ بل إن الإخوان المسلمين مرشحون للتحول إلى تيار ديني مفتوح على تعددية سياسية وبرامجية وفكرية، يحولهم إلى جماعة تأثير مستقلة عن السياسة، أو منتشرة في اتجاهات سياسية وفكرية عدة.
ويمكن أيضاً ملاحظة نمو الاتجاه العقلاني في فهم الدين وتطبيقه، والمسمى تاريخياً "المعتزلة". وقد يهيمن على كل اتجاهات تفسير الدين وتطبيقه. ويشجع ذلك على القول إن السلفية سوف تنحسر بفعل هذا الصعود، وضيق الناس بالتشدد، بل وخوفهم منه، ولن يتبقى منها سوى اتجاهات وتيارات علمية، تعمل مع وفي ظل المحافظين. ورغم ما يبدو اليوم من عداء بين المذاهب الفقهية الوسطية؛ مثل الأشاعرة والشافعية، فإنها ستكون الراعية الأساسية للسلفية العلمية.
وفي ما تنشئه المعلوماتية والمعرفة المتدفقة وتكنولوجيا المعلومات الجديدة من عدم يقين ومراجعات وتحولات، يبدو التصوّف صاعداً إلى جانب الدين، وتعود الفلسفة متطلباً أساسياً في العلوم والتخصصات الإنسانية والاجتماعية والعلمية البحتة والتطبيقية، ومكوناً أساسياً في الفنون والآداب والثقافة والجدل السياسي والعام. ويجب بمقتضى هذا القلق والشعور بالخواء والبحث عن المعنى والجدوى، أن تحتل الفنون والآداب والموسيقى وأسلوب الحياة ومهاراتها، مكانة كبرى في التعليم والثقافة والإعلام؛ فلم يعد ثمة مجال سوى العودة إلى متوالية الاستجابات التقليدية والطبيعية مع التمدن الناشئ عن الأسواق والمهن والموارد الجديدة، وبخاصة بعد الاعتراف بالخواء الهائل الناشئ عن الاعتساف في الحياة والإدارة العامة للمجتمعات والمدن، وتحميل الدين ما لم يحمله. وبمقتضى الحال، فإن ذلك يكرس فهماً جديداً وتشكلاً جديداً أيضاً حول الرضا وتحسين الحياة.
الحقائق الأساسية التي تقود إلى هذا "السيناريو" هو غياب الرضا والاستقرار الاجتماعي والأمني بعد "الربيع العربي"، وصعود التطرف والإرهاب أكثر من قبل، والفشل الاقتصادي والتنموي؛ ما يعني بالضرورة أن أسباب ومقدمات "الربيع العربي" ما تزال قائمة بقوة، وأن المجتمعات ما تزال تبحث عن إجماع وطني واستقرار سياسي واقتصادي، وبغير ذلك لن تنجح الأنظمة السياسية ولا الإسلام السياسي في الاستمرار والبقاء.
وكان الدرس الواضح من صعود "الربيع العربي" وفشله، هو ضرورة إعادة الجدل والتشكّل حول القضايا الأساسية المنشئة لإجماع الناس، وهي ببساطة: بناء الموارد وإدارتها وتنظيمها وتجديدها بكفاءة وعدالة. والاستجابة لذلك، بطبيعة الحال، في منظومات مدنية واجتماعية تحمي هذا العقد الاجتماعي. وهو ما لم يعد الإسلام السياسي قادراً عليه، ولم يعد أمامه سوى التحوّل إلى متدينين يشاركون في العمل العام والسياسي. كما لم تقدر الأنظمة السياسية أيضاً على تجاوزه وإهماله، ولم يعد ثمة مجال سوى الفوضى والكراهية والتمرّد، أو مشاركة الناس والمجتمعات في تقرير مصيرها وإدارة مواردها وشؤونها.

(الغد 2015-02-12)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات