معلم الوسطية وأستاذ النهضة في ذكراه

تم نشره الجمعة 13 شباط / فبراير 2015 02:30 صباحاً
معلم الوسطية وأستاذ النهضة في ذكراه
جميل أبو بكر

في الثاني عشر من شباط 1949 م، وفي أكبر شوارع القاهرة، أطلقت النار على الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وتم اغتياله وكان ذلك بعد مشاركة الإخوان في مقاومة احتلال فلسطين وتأسيس الكيان الصهيوني بكتائب تحركت من مصر والأردن والعراق وسوريا، حيث كانت الحركة الشعبية الوحيدة من خارج فلسطين التي شاركت في الحرب ضد الكيان الصهيوني، دفاعا عن حقوق شعب فلسطين في وطنه وعن حقوق الأمة ومقدساتها.
لا يمكن عزل حادثة الاغتيال وارتقاء الإمام الشهيد عن تلك الأحداث العظام وعن الانخراط في مقاومة المؤامرة الدولية على فلسطين، حيث ظهرت خطورة الرجل والجماعة التي تبشّر بمشروع نهضة الأمة المستند إلى مرجعياتها الثقافية والحضارية العليا، من كتاب وسنّة، إذ تستلهم روح الإسلام العظيم، ومنتجات الحضارة المعاصرة، ومخرجات التجربة البشرية الراقية، في فكر عميق مستنير ومنهج راشد مهتد.
لقد فصل الإمام البنا – رحمه الله – بوضوح ودقة بين الاحتلال والغزو الخارجي للأمة وأراضيها، حيث يتوجّب الجهاد والمقاومة المسلّحة، وبين التغيير والإصلاح الداخلي، حيث جعل من النضال الدستوري والتدرّج وبناء الإنسان أسسا والمجتمع طرائق لهذا التغيير والإصلاح، ورفض استخدام القوة والعنف وهدم كل ما هو قائم، بل إن هذه الروح وهذا النهج هو ما التزمت به الجماعة في ردّها على بعض الذين خرجوا من أبنائها على هذا الفهم تحت وطأة التعذيب وبسبب التنكيل الذي تشيب له الولدان في سجون مصر في ستينيات القرن الماضي، ووثّقت الرؤية والمنهج والمفاهيم والتجربة في كتاب ألّفه مرشدها العام الثاني المستشار حسن الهضيبي تحت عنوان (دعاة لا قضاة).
لم تنفك الجماعة عن الالتزام بمبادئ وأصول ومفاهيم هذا المنهج حتى اللحظة، وإن مشاركتها في الربيع العربي واعتمادها منهج السلمية والبعد عن العنف الذي رسّمته المليونيات الجماهيرية في مختلف الأقطار العربية لتؤكد صدقيتها ونضج رؤيتها.
هذا الحراك الشعبي – أو الربيع –تشكّل بفعل ثقل الاستبداد، ودموية بعض الأنظمة والحكومات، وبضغط الفساد الذي ضجّت منه الأرض والإنسان والمجتمع والدولة، وباستفزاز الإذلال، وهدر الكرامة، ومصادرة الحريات، وبقهر السلطة وتحويل الدولة ومؤسساتها إلى مزارع وإقطاعيات وموروثات وبفعل ارتفاع منسوب الوعي واتساع الثقافة.
إن هذه المشاركة المشّرفة والجهاد المبرور الذي أسهمت به الجماعة بقوة، قد فتح عليها نقمة القوى المتضررة من عمليات التغيير، وعرّضها لنيران قوى الثورة المضادة الرسمية والشعبية، وجعلها مشروع شيطنة وتصفية لا يزال فاعلا ومستمرا، وإن كان قد كشف عن عيوب وتصدعات تنذر بفشله المحتوم بإذن الله.
ويعزّز الأمل بتحقيق هذا الفشل افتقاد المشروع المضاد للتغيير وللربيع لأي رؤية إصلاحية، وفقره المدقع لقيم حضارية تؤسس لمشروع يبنى ويدوم، وتلبّسه بردّة إلى ما هو أسوأ مما ثارت عليه الشعوب. ولا يستحيي من أن يستغل كل مناسبة، حتى دماء الشهداء ومشاعر الناس المكلومة وثكل الأمهات في مثل جريمة حرق الطيار معاذ الكساسبة للتحريض على الحركة الإسلامية بوسطيتها واعتدالها، بل على الإسلام نفسه، وكأنه دين طارئ على المنطقة أو عابر سبيل، أو دين أقلية، أو فكرة باطنية تعيش في ضمائر أو أحشاء أفراد قد اعتنقوها، وتخشى وهج الشمس أو وميض البرق والفكر.
ما زال الإمام حسن البنا يذكّر أبناء الأمة بعامة، والحركة الإسلامية بخاصة، بالوسطية والتوازن بين العقل والعاطفة، والترفّع عن الصغائر وسفاسف الأمور، والنظر إلى المعالي والجوامع، والإبداع المضطّرد في خدمة الإسلام ومشروع نهضة الأمة.
رحم الله الإمام رحمة واسعة، فكم أنار من عقل، وعصم من جيل، وأرشد من نفوس، وحمى الملايين من أبناء هذه الأمة من الوقوع في حمأة التطرف، أو مستنقع الانحراف والفساد، أو ظلام الجهل والانغلاق.

(السبيل 2015-02-13)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات