الثلج والمشكل

اخطأتنا العاصفة الثلجية «يوهان» واستقرت في لبنان، ومن يقرأ صحفها يلاحظ جمالات الثلوج تغطي كل جبل يقع على ارتفاع 800 متر، بيروت بلغت نسبة امطارها التراكمية 540ملم، وكانت وصلت في العام الماضي 184ملم فقط.
ليل الاربعاء - الخميس قيل لنا استعدوا للعاصفة الثلجية، ومضى الخميس وأمس كانت الشمس تملأ الافق، أما البرد فقد كان حاضرا بامتياز، وأصيب الناس بنوع من الاحباط فقد تصوروا أنهم أمام ثلجة كبيرة، واستعدوا لماراثون «على مدار الساعة»، «والنشامى في الدفاع المدني» وتناسق العمل في أجهزة الدولة، لكن ذلك لم يحدث، وحمدنا الله على السلامة، وان كنا نطمع في رحمته، بالمزيد من المطر والثلج.
الأردني يحب «تزريق» الكلام على الحكومة، فالمحل يمكن ان يكون على وجه وزارة، والخير على وجه الكريم، واذا تحولت بعض الطرق الى بحيرات، فإن السبب ليس عدم احترام الناس للمرافق العامة، وإنما هي الامانة، والبلديات جميعا، وكأن وظيفة المواطن ان يتفرج على الزبالة التي تملأ الشوارع، ونصب محاكم لمؤسسات الدولة. في لبنان-ونحن نتحدث هنا عن الحريات-لم تعد الصحافة تتذمر من انهيار التيار الكهربائي, والتعاقد مع تركيا التي احضرت سفناً على ظهرها المولدات, ومنها تمد سلطة الكهرباء توصيلاتها الى الشبكة.. انهى المشكل. ولم تعد الصحافة تتذمر من انقطاع الماء في البلد العربي الوحيد الذي تعطيه الطبيعة من هذه النعمة اكثر مما يحتاجه المواطن. ولم تعد الصحافة تتذمر من شغور موقع رئاسة الجمهورية, وتمديد المجلس النيابي لنفسه لأن لا توافق على قانون انتخابات يرضي 19 طائفة في لبنان لكل طائفة مصالحها وولاءاتها.
لا أحد يتذمر في لبنان, وانقلب الغضب الى الفكاهة والكوميديات السوداء. فهناك اعتراف عام بأن مشاكل لبنان اكبر من اللبنانيين, وأن مصير البلد الاخضر الجميل في يد قوى اقليمية ودولية.. تعتبره ساحة من ساحات الصراع.
كنا نتصور ان نجاح الحكومات في احتواء «المشكل الوطني» سيقنع المواطن الاردني بأن بلده ليس جزيرة من الهدوء, وخرير الانهار والسواقي, والشعر والرومانسية وانما هو جزيرة قاحلة في وسط مشتعل بالنار, والحقد والخراب، وبقينا نجلد انفسنا، وعلى طريقة «اقعدي يا هند» نقارف تقاليد غير برلمانية، ونعالج كل القضايا بتلبيسها عباءة الفساد البشعة، وكفى الله المؤمنين.
نقبّل اقدام الطيار المقاتل معاذ الكساسبة، فقد هزّ الهياكل الخربة للقناعات العامة فتساقطت، وظهر وسط الركام وجه الاردن الجميل، أردن التحدي والوحدة والاعتزاز.
لمصلحة من بنى الخاسئون قناعات زائفة جعلت من بلدنا بلد الفساد والانحطاط والعمالة للاجنبي؟
- طبعاً لمصلحتهم لانهم لا يستطيعون العيش في بلد نظيف، ناهض، يحمي كرامته ومصالحه.
(الرأي 2015-02-14)