أميركا والشرق المنكوب ومعركة الإرهاب

تم نشره الإثنين 16 شباط / فبراير 2015 02:05 صباحاً
أميركا والشرق المنكوب ومعركة الإرهاب
ماجد توبة

لا دين، ولا عرق أو قومية للإرهاب. ثمة إرهاب يتمسح بهذا الدين أو ذاك، وبهذه الفكرة أو الأيديولوجيا أو تلك، لكنه في جوهره ضد الأديان والإنسانية، وضد كل فكرة جميلة، وضد الحياة ذاتها؛ هو تعبير عن انغلاق فكري وسياسي وإنساني، ويعكس، في جانب ما، حالة عصابية، فردية أو جماعية خاصة بمجموعة أو تنظيم أو حزب ما، تغلف بأفكار أو مبادئ أو قيم دينية مشوهة.
مناسبة الحديث عن تعريف لمصطلح الإرهاب، الذي بات اليوم يتصدر النشرات والإعلام والمجالس، هي الجريمة البشعة التي ارتكبها شخص أميركي بحق ثلاثة أشخاص عرب مسالمين في منطقة "تشابيل هيل" في نورث كارولاينا، قبل أيام، في جريمة تفوح منها رائحة الكراهية والتمييز العنصري البغيض ضد العرب والمسلمين.
فإعدام ثلاث حيوات، بدم بارد، رميا بالرصاص في كراج سيارة، لا يمكن أن يأتي في سياق خلاف على هذا الكراج، بل هو يعكس ذاتا محتقنة، وتفيض بالكراهية والإرهاب ضد الآخر، وهو هنا المسلم، المتمثل بفتاتين محجبتين وزوج إحداهما. هو إرهاب وإجرام لا يختلفان كثيرا عن إرهاب "داعش" والحركات المتطرفة، لكنهما يأتيان من دون "احتفال" إعلامي وتلفزيوني، كالذي يأتيه تنظيم "داعش" بأفلام الرعب التي يبثها!
وإذا كانت جريمة قتل 11 صحفيا ومواطناً فرنسيا، قبل فترة، هي عمل إرهابي مدان من قبل المسلمين وغير المسلمين، رغم رفض الإساءة للنبي الكريم والإساءة لمعتقدات المسلمين، فإن قتل ثلاثة أبرياء بدم بارد في كراج سيارة، فقط لأنهم مسلمون، هو أيضا جريمة إرهابية يجب أن تدان من الجميع، مسلمين وغير مسلمين.
كما تتطلب، أيضا، من الولايات المتحدة والغرب، التوقف مليا عند انتشار ثقافة الكراهية للمسلمين وللإسلام، والخلط بين الإسلام والمسلمين في غالبيتهم، وبين حركات العنف والتطرف والإرهاب المتمسحة بالإسلام، تماما كما هناك حركات وقوى إرهابية تتمسح بالدين المسيحي وبأيديولوجيات أخرى.
قبل ذلك، وبعده، فإن على الولايات المتحدة، التي لم تذق مثلنا في هذا الشرق المنكوب، ويلات الإرهاب والتطرف، فهو يتفجر بيننا ويهدد أمن واستقرار مجتمعاتنا نحن أولا، وينال من أرواح أبنائنا ودمائنا، نقول إن على الولايات المتحدة أن تقر اليوم، وقبل الغد، بأنها شكلت، وما تزال، المغذي الرئيس للإرهاب وولادة حركات التطرف، وذلك عبر احتلالها للعراق في العام 2003، وفتح صندوق الشرور، وقبل ذلك وبعده، عبر دعمها الموصول والقوي لأبشع احتلال في التاريخ، هو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وعدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في دولته وسيادته وعاصمته، وحق لاجئيه في العودة إلى أرضهم.
لا يمكن لنا، كعرب ومسلمين، في غالبيتنا، أن نبرر للإرهاب وقطع الرؤوس وسبي النساء ورفض الآخر ودموية الفكر، بل ونؤمن بأن التصدي لمثل هذا الانحراف الفكري والعقدي والسياسي، هو معركتنا أولا، تماما كما نحن ضحيته الأولى أيضا. لكن على الولايات المتحدة أيضا أن تقر بتحمل نصيبها الأساسي من مسؤولية انتشار الإرهاب والتطرف في هذا الشرق المنكوب، بإصرارها على تجاهل قضية العرب والمسلمين الأولى؛ القضية الفلسطينية، عبر انحيازها الأعمى للكيان الإسرائيلي المحتل، والمنبع الأول للإرهاب والتطرف والدم.
إن حلا عادلا ومنصفا للشعب الفلسطيني، ينهي احتلال أرضه ووطنه، ويمكنه من إقامة دولته وكيانه السياسي، ويعيد حقوقه المسلوبة بتواطؤ أميركي وغربي تاريخي، هو سلاح أمضى من كل طائرات وأساطيل الولايات المتحدة في التعامل مع قضية الإرهاب، وتمدده عبر القارات والدول والمجتمعات.

(الغد 2015-02-16)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات