يوميات "سي. آي. إيه" في قندهار

يعرض روبرت ل. غرينيير، رئيس محطة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إيه) في إسلام أباد خلال الفترة 2002–2006، في كتابه "88 يوما في قندهار"، للحرب الأميركية في أفغانستان منذ أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، وكيف استطاع حامد قرضاي، أحد زعماء القبائل البشتونية المناهضة لحركة طالبان أن يحشد معارضة بشتونية قوية، أدت إلى نهاية دولة الحركة في أفغانستان.
فقد كانت الولايات المتحدة تبحث عن حليف بشتوني قوي في مكانته الاجتماعية والقبلية، ومناهض لطالبان. وحاول عبدالحق، وهو أحد قادة المجاهدين الأفغان، الاتصال بقبائل بشتونية، لكن "طالبان" ألقت القبض عليه وأعدمته على الفور، كما أعدمت خمسة قادة بشتون آخرين، ربما تكون الحركة علمت أن عبدالحق قد اتصل بهم. وبذلك، فإن نجاح قرضاي في اختراق الجدار البشتوني الذي هيمنت عليه طالبان كان بمثابة الثغرة القاتلة للحركة؛ ذلك أن المعارضة المتماسكة لطالبان (تحالف الشمال) كان يغلب عليها العرق غير البشتوني، في بلد تهيمن عليه أغلبية بشتونية، ولم يكن ممكنا، وما يزال الأمر كذلك بالطبع، أن يحكم أفغانستان قائد غير بشتوني.
يقول غرينيير إنه ورث تركة أميركية سيئة في أفغانستان، بسبب سياسات شراء الولاء التي اتبعتها الولايات المتحدة في السنوات السابقة، والتي كرست نمطا من الفساد لم يخدم السياسة الأميركية، برغم الأموال الكبيرة التي دفعت لزعماء القبائل وأمراء الحرب، ومنحهم ذلك أيضا قوة ونفوذا في المجتمعات، واستقووا على الناس ومارسوا عمليات ابتزاز وجمع أموال وضرائب من غير وجه حق. وقد أدى ذلك، بطبيعة الحال، إلى تكريس عداء شعبي لهؤلاء الزعماء، وكان لا بد من تكريس سلطة العدالة والقانون والقضاء على الرشاوى، وبناء الثقة بالولايات المتحدة وسياساتها كخطوة أولى في إعادة بناء أفغانستان.
منحت باكستان ملاذا آمنا لطالبان. وكان يجب على الولايات المتحدة أن تتفهم السياسة الباكستانية المخالفة، بسبب الشعور الباكستاني بالتهديد الوجودي للهند. لكن باكستان تعاونت كثيرا مع الولايات المتحدة، ومنحتها حق استخدام قواعدها العسكرية، وخدمات ومعلومات استخبارية خاصة. وهنا يبدو الأمر متناقضا في باكستان التي شكلت الحليف الأقوى والأهم للولايات المتحدة في حربها على طالبان، وفي الوقت نفسه فإن جهات أمنية وعسكرية وسياسية وقبلية في باكستان تقدم الدعم والإيواء لطالبان.
ويبدو غرينيير واثقا وفخورا بأداء وكالة الاستخبارات الأميركية، برغم تقرير مجلس الشيوخ عن التعذيب والاعتقالات التي قامت بها الوكالة. وهو يبرر ذلك بأنه كان لأجل إنقاذ حياة الآلاف من الأبرياء، لكن ثبت أن كثيرا من المعتقلين في غوانتنامو لم يكونوا خطيرين، ومؤكد أن قصص التعذيب والسجون السرية أساءت إلى سمعة الولايات المتحدة ومصداقيتها.
وفي تقييمه للتجربة الأميركية في أفغانستان، يقول إنه في بلد بدائي يعاني عدد كبير من سكانه من ضعف التعليم وعدم القراءة والكتابة وسيادة اقتصاد زراعي وبنية اجتماعية قبلية وفساد راسخ، فإن محاولات بناء مؤسسات وطنية كانت صعبة، وترسخت فكرة أن الولايات المتحدة بلد محتلّ.
(الغد 2015-02-16)