الأحزاب الصهيونية بين فلسطينيي 48

يعيد تشكيل "القائمة المشتركة" الوحدوية لفلسطينيي 48، للانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة، إلى الوضع الذي كان عليه المشهد الانتخابي بين الفلسطينيين حتى انتخابات العام 1981؛ حين كانت قائمة واحدة تنافس كل الأحزاب الصهيونية في الشارع العربي، ولكن بفارق كبير من حيث توزيع الأصوات. فاليوم، تتراوح نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية ما بين
16 % إلى 23 %، بينما حتى انتخابات العام 1974 كانت هذه النسبة تتجاوز 50 % بقليل، ولهذا أسبابه.
فقد شارك فلسطينيو 48 في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية منذ أول انتخابات جرت بعد النكبة في العام 1949. وكانت نسبة المشاركة تتجاوز 80 %، كما هي بين اليهود في حينه، وتطغى عليها أجواء الرهبة الكبيرة جراء النكبة، لجزء صغير من شعب، بقي في وطنه ووجد نفسه منقطعا عن باقي شعبه ومحيطه العربي، ومحاصرا بأعدائه. ولذا، كانت النسبة الكبرى جدا من الأصوات تتجه إلى الأحزاب الصهيونية، والقوائم "العربية" التابعة لتلك الأحزاب؛ وهذه كلها مقابل قائمة الحزب الشيوعي التي كانت تستقطب أصوات الوطنيين، ومن تجرأوا على التحدي في تلك الفترة.
وعاما بعد عام، ومن مرحلة إلى أخرى، مع استيعاب الوضع القائم، وظهور الأجيال الجديدة، كانت تتراجع نسبة الأصوات للأحزاب الصهيونية باستمرار. ومع سنوات السبعينيات، كان قد نشأ جيل جديد؛ جيل ما بعد النكبة الذي شجع الجيل السابق على كسر جدران الخوف. ورأينا في العام 1977، في الانتخابات الأولى التي تلت يوم الأرض العام 1976، أن نسبة الأصوات للأحزاب الصهيونية قد هبطت بقليل عن نسبة 50 %، في حين صبّت الأصوات بنسبة
52 % تقريبا لقائمة الحزب الشيوعي الذي شكّل في ذلك العام الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة. وبقيت الحال ذاتها تقريبا في العام 1981.
ابتداء من العام 1984، بدأت حالة تعددية للتيار الوطني في شارع فلسطينيي 48، بظهور قائمة جديدة. وكانت "الحركة التقدمية للسلام"، في غالبيتها، منشقة عن "الجبهة". وتنامت حالة التعددية في السنوات اللاحقة، وعززها ظهور الحركة الإسلامية، ومشاركة جزئها الأكبر في الانتخابات ابتداء من العام 1996. وفي هذا العام بالذات، هبطت نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية إلى 16 %، استمرارا للتراجع الذي بدأ من قبل. ومنذئذ، صارت تتراوح نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية بين 16 % إلى 23 %.
وساهم تشكيل "القائمة المشتركة" التي تشمل أربعة أحزاب، من الشيوعيين واليسار والإسلاميين والعلمانيين، في تهدئة أجواء المنافسة الشديدة التي تعدت في كثير من الحالات مستوى الخطاب الموضوعي. وعاد التركيز حاليا إلى مهمة محاصرة الأحزاب الصهيونية التي تسعى إلى التغلغل بقوة أكبر في هذه الانتخابات، متوهمة أن اصطفاف القائمة المشتركة قد يسمح لبعضها بكسب أصوات من لم ترق لهم "المشتركة"، بسبب توجهات معينة، أو انخراط أحد الأحزاب فيها.
ليس لدى الأحزاب الصهيونية، إن كانت الحاكمة أو التي تدور في فلك الحكم وتتناوب عليه، سوى دفع الأموال؛ أي الرشى الانتخابية، أو نثر وعود وأوهام لدى ضعفاء النفوس. وتسعى هذه الأحزاب إلى إغراق فلسطينيي 48 بأجندة "قضاياكم الحياتية اليومية". وبكل وقاحة، فإنها توجه أصابع الاتهام بشأن الأوضاع المعيشية السيئة لدى فلسطينيي 48، إلى الأحزاب الوطنية الناشطة بينهم، بزعم أن هذه الأخيرة لا تنشغل بقضاياهم، وليس بسبب سياسة التمييز العنصري الصادرة عن العقلية الصهيونية؛ عقلية الاستعمار والاحتلال.
من المؤسف أن يشتري البعض أجندة "الانشغال بقضايا الناس اليومية"، رغم أن كل هدفها هو إغراق فلسطينيي 48 بقضاياهم اليومية الصغيرة، التي تعرقلها وتضربها سياسة التمييز العنصري، وإبعادهم عن القضية الفلسطينية ككل، القضية الأساس، إذ إن هذا هو الواجب الوطني الأساس والأول. ولنا كفلسطينيين دور مركزي في النضال من أجل الدولة والعودة، وفق أوضاعنا وآلياتنا، ومحظور علينا إضعافه. ولكن أيضا يجب أن تكون ثمة قناعة مترسِّخة، بأنه طالما لم يُحلّ الصراع، فلن يكون بالإمكان إنهاء سياسة التمييز العنصري، لأنها سياسات تنبع من عقلية واحدة، ومن دون إنهاء هذه العقلية، فلن يتغير شيء.
(الغد 2015-02-22)