الجيش الإلكتروني الحر

تتعاظم أهمية الإعلام في الوقت الحاضر الى تلك الدرجة التي اصبح يمثل فيها خطورة بالغة على مستقبل الاجيال ومستقبل الافكار، وذلك عندما يكون التضليل منهجاً وحرفة، ويصبح التدليس فناً وابداعاً، في ظل التطور المذهل في تقنيات الاخراج، وامتلاك القدرة على التلاعب بالحقيقة، بحيث يصعب اكتشافها، ويصعب بيان الخيط الابيض من الخيط الاسود، خاصة بعد الانحطاط الرهيب الذي وصلت اليه بعض الضمائر ودخول رؤوس الاموال الى ساحة الاستثمار المجدي في هذا الحقل.
لقد ادركت بعض الاطراف المعروفة هذه الحقيقة، واستطاعت ان توّجه قسطاً من المال لا بأس به للانفاق على هذا الجانب، ومن خلال هذا المال تم توظيف شخصيات وشراء كفاءات اعلامية ومواقع الكترونية ، ولعبوا على مجموعة اوتار، حققت انجازاً ملموساً في صناعة رأي عام، وخلق اجواء مصنوعة وموجهة، وذهبت بهم الظنون كل مذهب، وحسبوا انهم امتلكوا القدرة من خلال هذا الوهم العظيم، ان بيدهم تحقيق مصير اتباعهم وبيدهم الخلق والاعدام.
من اكثر العوامل اثراً في احداث الغرور لدى بعضهم او اكثرهم يتمثل في الاعلام والمال بين ايديهم فعلاً، ولكن هذا الغرور قد يزيد على الحدود بحيث ينقلب الى الضد، حيث انهم اوغلوا في الخداع والتشويه، واستسهلوا الاغتيال الاجتماعي، ولذلك وصلت الامور الى حد التطاول الذي لا يخلو من الغطرسة والشعور بالتفوق والقوة التي صنعها الاعلام المزيف، ومن خلال الجيش الالكتروني الذي لا يعدو مجموعة من المتفرغين الهواة، الذين لا يتورعون عن اطلاق اي وصف دون اعتبار لعاقبة، ودون حساب لأي وازع يحز بالضمير من الحاق الاذى بالناس.
ان كثيراً من التصرفات والقرارات التي تجرى تغطيتها اعلامياً قد تحقق شيئاً ملموساً على المدى القريب، ولكنها في حقيقتها تصرفات مدمّرة تنحت في مصداقيتهم وسمعتهم وشرفهم الذي تحقق عبر جهد السابقين الآوائل؛ الذين افنوا اعمارهم في صناعة هذا التراث الطويل الممتد، الذي اصبح بيد العابثين.
ان الذين لا يتورعون عن الاغتيال الاجتماعي؛ لن يتورعوا عن الاغتيال والتصفية الجسدية، وان الذين لا يصيبهم اي قدر من الحساسية نتيجة الاقدام على تشويه رفقاء الدرب، ولا يقيمون وزناً للعشرة، ليسوا مستأمنين على ارض او عرض او وطن، وان هؤلاء الذين لا يعرفون اقدار الناس ويتساهلون في امر المروءة وخوارمها، ليسوا مستأمنين على دعوة أو فكر او ثقافة، والذي لا يعرف مصطلح الخبز والملح ومصطلح العيش، لا يقيمون وزناً للقيم ولا للاعراف، فضلاً عن النصوص والتوجيهات والقواعد والاصول.
المشكلة الاكبر في النظرة الخارجية لهؤلاء القوم، كيف ينظر الناس اليهم، وكيف سيتصرف هؤلاء لو ملكوا السجون والشرطة ومقاصل الاعدام، وملكوا البنادق والرصاص، ان هذه التصرفات تجعل الناس وجهاً لوجه مع الجدار، ولم يبق امامهم سبيل، ويجب ان يعلم هؤلاء القوم ان جهود السابقين ليست ملكا لهم، وليسوا اوصياء عليها، لأنها تمثل تراث وجهد الاجيال وجهد جمع كبير من العاملين، ولن يسمح للطارئين بالتحكم بمصيرها، ولن يسمح العبث بمصير رجالاتها وابنائها.
(الدستور 2015-02-23)