الأردن.. الحكمة والسلامة

السياسات الرسمية الأردنية الداخلية، والخارجية على وجه التحديد، اتسمت وعلى مدى عقود بأنها سياسات متحفظة لا تميل للمغامرة، ولا تحبذ القفزات ووضع بيضها في سلة واحدة، وربما برهنت الأحداث على نجاعة هذه السياسة وأنها مناسبة للاردن، حيث جنبته الوقوع في محاذير، وأعفته من دفع كلف، لم يكن مستعدا لها.. ولا تناسب إمكاناته وقدراته، ووجوده في محيط متوتر ومتحفز.
الغريب أن الشهور الاخيرة عكست نكوصا عن هذه السياسة وفي أكثر من ملف، رغم أن البيئة السياسية في الاردن ومن حوله تبدو حساسة أكثر من اي وقت مضى.. وتفرض انتهاج سياسة اكثر حساسية واتزانا، حتى لا ينزلق الأردن الآمن الى ما انزلقت اليه أطراف كثيرة في الاقليم.
العلاقة الاشكالية التي تربط الاردن الرسمي بالنظام الحاكم في مصر تحت قيادة السيسي، واحدة من الملفات التي تعكس التغيير في السياسة الاردنية المتحفظة وغير المغامرة، وربما الذهاب بعيدا في مراهنة دون حسابات وتحوطات كافية. ظهر هذا في الموقف الاردني في مجلس الامن وتبنيه رغبة السيسي بالتدخل العسكري في ليبيا، وبحماس ملفت للانتباه، مع علم الأردن أن الفكرة هروب مصري للأمام وتورط في الرمال الليبية، وأنه لا مصلحة لمصر في هذه المغامرة ولا لليبيا، وانها خدمة صافية لتطرف داعش، وخلط غبي للاوراق سيدفع الجميع ثمنه، في مصر وليبيا وعموم المنطقة العربية، ومن المؤسف أن تبدو الدول الغربية أكثر تعقلا وفهما لتداعيات الخطوة، من اطراف عربية مغامرة واخرى متحمسة. ولم يكن مفهوما أسباب الاندفاعة الاردنية حتى بعد وضوح المعارضة الامريكية والغربية، هل هو الانحياز والحماس لخدمة السيسي حتى وإن تم اغضاب حلفاء الاردن الغربيين، وتبين ان الخطوة لا تعدو كونها مغامرة كارثية تدفع المشهد الاقليمي لمزيد من التأزيم والتعقيد؟!
نأمل ان تكون الحكومة الاردنية قد أعادت قراءة موقفها، وان الحماس الزائد لم يكن موفقا ولا يناسب السياسة الاردنية، وبالتالي الامتناع عن التورط أبعد من ذلك في تبني سياسات ومواقف كارثية على ذات الصعيد، حيث إن ثمة تسريبات اعلامية تتحدث عن توافق مصري اردني إمارتي، على «تشكيل قوة تدخل عربية، يمكنها التدخل عند الحاجة في أي منطقة من المناطق التي يتهدد فيها أمن هذه الدول، وبما يشمل المناطق المحيطة بهذه الدول، والتي يمكن أن ينطلق منها التهديد، أو تكون للدول المشاركة مصلحة حيوية للتدخل فيها».
مرة أخرى لماذا؟! ولماذا الارتباط باندفاعات السيسي؟! إذا كانت المشكلة محاربة الإرهاب فهذه مهمة عالمية وفوق اقليمية، لا تخص أحدا دون آخر، واذا كانت رغبة باستحضار الوزن العربي، فهذا بالقطع لا يكون عبر اتفاقات ثنائية ولا ثلاثية خارج اطار الإجماع العربي، هذا اذا أغمضنا العين عن تعريف ماهية الارهاب والتطرف المنوي محاربته، وهل يندرج ضمنه جرائم العسكر في مصر، واذا ما كان الوزن العربي المراد تعزيزه قائما على احترام مصالح الشعوب العربية ام مصالح ائتلافات معادية لاحترام ارادة هذه الشعوب وتحررها؟
إن الاردن وفي اللحظة السياسية الراهنة بكل حساسياتها، أحوج الاطراف ان يبتعد عن المغامرات والمهاترات، التي ينساق لها البعض، ممن تتعمق أزمته ويغيب الرشد عن قراراته، وربط الاردن سياسته بالسيسي اندفاعة غير محمودة العواقب، ومراهنة خاسرة، فالسيسي يخسر حلفاءه في الخليج، ويفقد احترام اصدقائه الغربيين ودعمهم، وأزمته الداخلية تتفاقم، اقتصادا منهارا وامنا سائبا، وشرعية في الحضيض، والانكى سياسات داخلية وخارجية تدعو إلى الغثيان.. فهل من مراجعة تعيد السياسة الخارجية الاردنية الى سكة الحكمة والسلامة؟
(السبيل 2015-02-25)