هل هناك حل بالحسنى؟

تم نشره الخميس 26 شباط / فبراير 2015 01:59 صباحاً
هل هناك حل بالحسنى؟
د.رحيل محمد غرايبة

المشكلة التي ظهرت على هذا النحو في صفوف جماعة الإخوان، وانفجرت في هذا الوقت، ليست حديثة ولا طارئة، وليست وليدة التطورات الأخيرة على الساحة العالمية والإقليمية والمحلية كما يروق لبعض المراقبين عن بعد أن يذهبوا إلى ذلك، وإن كان لها بعض الأثر، فالمشكلة قديمة وتاريخية، وكان يجري دائما التغطية عليها، ومحاولة التخفي عن أعين الإعلام الخارجي، وحجب المعلومات الدقيقة عن القاعدة التنظيمية العريضة، التي ما زالت حتى اللحظة مغيبة عن تسلسل الأحداث التاريخية، وتراكم الجزئيات والتفصيلات التي يصعب تغطيتها واختصارها في مقالة على عجل، وكان دائماً شعاربعض حكماء الجماعة :«حتى لا يقال».
لكن يبدو أن الأمور خرجت عن نطاق الصبر والقدرة على التكتم، من جميع الأطراف، ولم تعد الوسائل السابقة المتمثلة بالصلحات والتوافقات وكظم الغيظ والعض على الجراح وصبر أيوب وابتلاع الغلب ممكناً، في ظل تجرع مرارة الفشل الذريع، والعجز عن وضع خطة ورؤية سياسية جامعة وممكنة ضمن أفق منظور، وفي ظل عدم اللجوء إلى الحوارات الداخلية، والمكاشفة والمراجعة الجادة، وغياب الحكمة والرشد في التعامل مع الرأي المخالف والتعامي عن قراءة المشهد بواقعية.
على كل حال هل يمكن التعامل مع المشكلة المتفجرة من خلال البحث عن حل جذري بالحسنى؟ ودون اللجوء إلى معارك ومناكفات، وتراشقات عنيفة، واتهامات ومبالغات خارجة عن نطاق المنطق والعقل، وبعيداً عن منطق الإعدام والإقصاء من المشهد، واستعمال العصا الغليظة واللغة الخشنة، وبعيداً أيضاً عن لغة الاستغفال، وبعيداً عن الاصرار على مبدأ التقية والتدليس وتعمد إخفاء الحقائق وتجاهل الواقع المؤلم.
هناك مشروعان مختلفان ومتوازيان؛ ولكل مشروع استراتيجية وقيادة وخطة وسياسة وقاعدة شعبية، وساحة مختلفة عن الآخر، مشروع يتعلق بالأردن دولة وشعباً ونظاماً ومؤسسات، عبر جسم وطني أردني، يعمل على الساحة الأردنية بقوانين أردنية وشرعية وطنية لا تخرج عن إطار الدولة، ولا تعمل خارج دستورها وقوانينها وأنظمتها، وفقاً لرؤية إسلامية قيمية؛ يهدف إلى خدمة البلاد والعباد، من خلال الحضور السياسي والاجتماعي، والتعاون مع كل المخلصين ولو اختلفت الأديان والمذاهب والآراء والميول والاتجاهات.
وهناك مشروع آخر يتعلق بفلسطين؛ له رؤية وسياسة وقيادة وخطة مختلفة، لها طرقها في العمل داخل فلسطين وخارجها، وفي التعامل مع مواطن اللجوء ودول الجوار بما تراه مناسباً، ومحققاً لأهداف المشروع وغاياته، ويستعمل القوة والجهاد المشروع ضد الاحتلال بحسب الامكان، ويجمع بين القوة والسياسة حيث يمكن الجمع، وقد كبر هذا المشروع وامتد وحقق بعض النجاح، واقام علاقات دولية متفاوتة لها وعليها.
يجب عدم الخلط بين المشروعين، مع امكانية التعاون والتنسيق بين المشروعين، بما تسمح به الظروف، ودون أن يؤثر كل مشروع على الآخر سلباً وإعاقة، وكل من يريد الالتحاق بأي مشروع فله ذلك، مع نفي الازدواجية، أوتعمد اللجوء إلى اخفائها.
الالتحاق بأحد المشروعين لا يتوقف على الأصول والمنابت، وليس مرتبطاً بالجهوية، وإنما يكون ذلك من خلال الإيمان بالمشروع والانتماء له انتماءً خالصاً، بحيث يتم الابتعاد عن محاولات الهيمنة ومحاولات الاختراق، ومحاولات البحث عن غطاء وشرعية لخدمة أهداف مخفية، والكف عن أسلوب الشطارة والفهلوه في الخداع والتضليل.
فكل من يؤمن بالدولة الأردنية وينتمي إليها انتماءً حقيقياً يستطيع أن يكون جزءاً من المشروع الوطني الأردني مهما كان أصله وفصله، شريطة العمل تحت الشمس وتحت الضوء، وتحت رقابة القانون على العضوية وعلى المال والنشاط والحركة.
أما مشروع التحرير الفلسطيني فقيادته حرة بطريقة اختيار أسلوب العمل الذي يناسبها، واختيار طريقة التعامل مع مختلف الاطراف الدولية، وإذا كانت القوانين تسمح بالانضمام إليه أو خدمته باي وسيلة أو أسلوب» لوجستي « فليكن، بعيداً عن منطق الاتهام ولغة التخوين والتشهير، وبعيداً عن استخدام سلاح الرمي بالإقليمية والعصبية، واستخدام الإعلام بطريقة ظالمة وشراء الأقلام المريضة التي تقتات على الخلاف والإثارة والزعبرة والتهويش.
وكل من لا يرى نفسه في المشروع الوطني الأردني، ويضيق ذرعاً بالحدود الأردنية لأنها من صنع (سايكس – بيكو) مثلا أو لأي سبب آخر، ويرى الأردن أصغر من اهتمامه؛ فهو حر أيضاً يستطيع أن يجد له مكاناً يلبي طموحه الكبير، ويستطيع البحث عن هوية أخرى تناسب حجمه ، دون الدخول مرة أخرى في معركة تبادل الاتهام، ودون الانحطاط إلى درك السفه والخفة في إطلاق الاشاعات التي لا تليق بالعقلاء.
ما زال هناك فرصة لإدارة الخلاف بعقل وحكمة، ولكن دون الرجوع إلى الماضي، ودون استنساخ الأساليب والأدوات التي تثبت أنها غير صحيحة وغير فاعلة وغير مجدية، وليس هناك مجال لمزيد من المماطلة، ولا نملك ترف الوقت، ولا مجال للمهاترات أو الاستمتاع بالمناكفات.

(الدستور 2015-02-26)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات