كلفة الحرب وانتظار المدد

بعد طي صفحة الجدل والنقاش، كما الخلاف، حول موازنة العام الحالي 2015، لا يبدو أن المأزق المالي والاقتصادي الذي تعاني منه الخزينة إلى حلحلة، ما لم تحدث مفاجآت ذات صلة؛ بمساعدات استثنائية من الخارج، أو دعم مباشر في قطاعات بعينها. ورغم أني لست مع سياسة الاعتماد على الخارج، إلا أن واقع الحال اليوم يشير إلى أن الأردن لن يقوى، بقدراته الذاتية، على الاستمرار في ذات الأدوار الصعبة، من دون جسر مالي متين.
فدعم وإيواء مئات آلاف اللاجئين السوريين ليس أمرا سهلا، كما تؤكد الحكومة. ويصبح الأمر أكثر تعقيدا بعد سنوات من التقصير الدولي بحق هؤلاء اللاجئين، كما بحق الدول المستضيفة التي أمسى التحدي بالنسبة لها كبيرا في سياق التكيف الاقتصادي والمالي. ويبرز هنا سؤال: كيف سيتسنى للأردن الاستمرار في إيواء اللاجئين، إن بقي عجز التمويل من جانب المانحين على ما هو عليه اليوم؟
بالتزامن مع التحدي السابق، يتسع نطاق المشاركة الأردنية في الحرب ضد تنظيم "داعش"، باعتبارها مشاركة مفتوحة في حرب تشمل كل شيء؛ من الجانب العسكري الذي يتطلب إنفاقا متزايدا، إلى إجراءات التحوط والاستعداد ضمن هذه المواجهة، وما تتسبب به من تداعيات اقتصادية في ظل أوضاع مرتبكة على المستوى الإقليمي.
في مضمون ما قاله رئيس الوزراء د. عبدالله النسور تحت القبة أثناء رده على مناقشات الموازنة مساء الأربعاء الماضي، الكثير مما ينسحب على خطورة الموقف الذي تمر فيه المملكة. إذ ثمة "سبع حروب" من حولنا، علاوة على أن حدودنا التي تربطنا بالدول شرقا وغربا وشمالا مغلقة، وينطوي حالها على شلل اقتصادي تام، يتعذر معه التخطيط الاقتصادي، أو الحديث عن النمو والازدهار والحركة التجارية النشطة.
حجم المساعدات والمنح الخارجية، كما جاء في موازنة العام الحالي، يبلغ 1.6 مليار دولار، ثلاثة أرباعها من دول مجلس التعاون الخليجي، فيما رفعت واشنطن حصة الدعم للمملكة بقيمة 400 مليون دولار، لتصبح المساعدات الأميركية مليار دولار سنويا، بين العامين 2015 و2017. لكنها مساعدات لا تكفي، وفقا لتأكيدات المسؤولين الأردنيين الذين يطالبون بالمزيد. فالتحديات كبيرة وجسيمة، وحجم الإسناد المالي قليل وضئيل، ومن المرشح أن يؤثر مستوى المساعدات في شكل ومضمون الدور الأردني إقليميا خلال الأشهر المقبلة.
ذكر هذه التحديات وحجم المساعدات المأمول، يتصل مباشرة بكلفة الحرب التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. إذ هي كلفة كبيرة، لا تقوى دولة محدودة الموارد على الانخراط فيها بهذا الشكل المفتوح، من دون أن يقف خلفها إسناد مالي يساعدها على إدامة المواجهة، ويجنبها اللجوء إلى جيوب مواطنيها من أجل حل الأزمات المالية والاقتصادية التي تتفاقم تبعا للتوسع في الإنفاق.
حتى اللحظة، لا يبدو أن الأردن الرسمي راض عن حجم المساعدات التي تقدم له، وهو يتقدم الجميع في مواجهة أممية. وهو لم يكن راضيا أيضا عن التوسع في إيواء اللاجئين وإدامة فتح حدوده خلال السنوات الماضية، بينما قصر العرب والغرب في تمويل هذا اللجوء المكلف. والمأمول اليوم أن لا يتكرر ذات المشهد بإيقاع اقتصادي ثقيل. فمديونية البلاد تقارب 30 مليار دولار، وليس متوقعا أن تحصل المملكة على امتيازات جديدة على صعيد الاقتراض الخارجي، وستبقى المساعدات المالية العاجلة سبيلا لتقوية الاقتصاد خلال الأشهر العشرة المقبلة، إن صدقت نوايا "الحلفاء" بشأن نجدة الأردن اقتصاديا.
(الغد 2015-02-28)