بن عمر، دي ميستورا وبرناردينو ليون.. مَنْ يُفشل هؤلاء؟

تعج الساحات العربية المأزومة بالمبعوثين الأممين «الخاصيّن».. فضلاً عن أولئك الذين تعاقبوا على ساحة «المسألة» الفلسطينية منذ النكبة بل قبلها، من وسطاء ومبعوثين ورؤساء بعثات تقصي حقائق وغيرها من التسميات والوظائف التي يواصل العقل الغربي الاستعماري (دع عنك اكذوبة البراغماتي) اختراعها، بهدف تعويم الحلول واطالة الأزمات وشراء الوقت، ضماناً لخلق الأمر الواقع او العبث بموازين القوى او الحاق المزيد من الخسائر بالأطراف «المهزومة» للحصول على استسلام موصوف، لا يملك حياله المهزومون سوى رفع الرايات البيض والتسليم للسيد الامبريالي المستعمِر والمهيمن او المحتل الصهيوني، بكل مطالبه وشروطه واملاءاته..
ما علينا..
ثمة حرائق مشتعلة في بلدان عربية عديدة، قد لا تقل احداها خطورة عن الأخرى وان اختلفت المواقع الجيوسياسية او التحالفات او طبيعة الجيران وخصوصاً اطماعهم، ما بالك ان الأزمات في سوريا والعراق وليبيا وخصوصاً اليمن، آخذة في «التعقد» وتُبدِد احتمالات التوصل الى حلول مقبولة على الاطراف المتصارعة، تُحقِق الحدود الدنيا من التوافق والحلول السلمية التي تقطع الطريق على مشروعات اسقاط الدول (وليس فقط الأنظمة) وتقسيمها وربما رسم خرائط جديدة عبر شطب دول والحاق اجزاء منها بدول أخرى، فضلاً عن المشروع الامبريالي الصهيوني الذي لم يتغير للحظة واحدة، منذ ان التقى المُستعمِرون على تجزئة العالم العربي وابقائه تحت الهيمنة والتقسيم واذكاء روح التطرف والظلامية فيه، التي تغرف من «قِدْر» المذهبية والطائفية والاثنية وتمنح وزناً للجهوية والقبائلية والعشائرية على حساب مبدأ المواطنة والديمقراطية وتداول السلطة سلمياً.
تبرز اذاً «ثلاث» أزمات عاصفة، أسْهَم التدخل الخارجي الذي يُصنّف زوراً وبهتاناً.. بالمجتمع الدولي، في ايصالها الى حال من الخطورة والاحتمالات المفتوحة على دمار شامل وتهجير للمواطنين وانهيار البنى التحتية والخدمات وتجريف كل منجزاتها الاقتصادية والاجتماعية وخصوصاً الثقافية والحضارية، كما فعل الغُزاة الاميركيون في العراق، وكما يفعل صنائعهم من داعش والنُصرة وغيرها ممن اخترعت الاجهزة الاستخبارية الغربية (والاقليمية خصوصاً) اسماءها وقادتها، ووفرت لهم التمويل والتدريب والملاذ الآمن وزودتهم بأمر العمليات الذي تجاوز كل الحدود في ظلاميته ودمويته وجهله وعدائه لكل ما هو انساني وقيمي وحضاري.
هنا والان.. رأينا كيف كان «الوعد» الغربي الذي جاء على وقع الغزو الاطلسي لليبيا بأن تحظى بالحرية والديمقراطية وأن تتخلص من كوابيس الديكتاتورية ومزاجية الأخ قائد الجماهيرية، فإذا بالهضبة الافريقية (ليبيا... كما تُوصَف) تتحول الى جحيم ومسرح للارهاب والاقتتال والذبح، ويبدو احتمال استعادة اي نسبة ولو متواضعة من «لا دولة» الأخ العقيد، مجرد وهم وسراب، حتى برز مِنْ بين «رهط» المبعوثين الأممين (وكلهم عرب باستثناء الاخير برناردينو ليون)، مَنْ يأخذ الافرقاء المتصارعين الى بلدة «الصخيرات» المغربية حتى «يوفق» بين دولتيْ او برلمانيْ او حكومتيْ ليبيا.. الثورة، دولة طبرق (في بنغازي) المعترف بها دولياً (...) ودولة طرابلس او دولة المؤتمر الوطني العام.
تسألون عن اليمن؟
حكاية المبعوث «الدولي» جمال بن عمر... سريالية في كل شيء، بدأ بشخصيته المتقلبة والاكثر قدرة على إرضاء كل من يلتقيه دون ان ينجح، حتى قبل ان تصل الازمة اليمنية الى ذروتها المأساوية الراهنة، في جمع اليمنيين على مُشتَرَكٍ وطني او سياسي لانه (بن عمر) لم يكن واضحاً او حاسماً او مستقلا، بل بدا وكأنه مجرد ورقة تستخدمها اطراف عديدة في الوقت ذاته دون ان يُبدي احتجاجاً او حتى تهديداً بالاستقالة، واستقر اليمنيون على ان الرجل الذي يتحدث «لغتهم العربية» لا يُقدّم ولا يؤخر، لان هناك بالفعل (من دول الاقليم خصوصاً)، من وضع فيتو على مهمته واراد له-حتى الان.. وغداً-ان يفشل، الى ان ينجح هؤلاء في «ضبط» الاوضاع اليمنية وادخال تعديلات جذرية على موازين القوى، على ما يأملون.
يبقى اخيراً-وليس آخراً.. لان العراق قد يدخل في مسار الوساطة الأممية لاحقاً-المسيو دي ميستورا..، وإذ بدا وكان اقتراحه تجميد القتال في مدينة حلب وكأنه قابل للتنفيذ بعد طول جدل واشتراطات، في ما إذا كان سيشمل التجميد المقترح مدينة حلب فقط أم المدينة وريفها (كما اشترطت المعارضات) فإن الأمور تبدو وكأنها وصلت الى طريق مسدود او لنقل دخلت «برّاد» التجميد، بعد ان رفض المُسلّحون في بعض أحياء حلب الشرقية الاقتراح، وأبدوا تشدداً لافتاً، ليس فقط في رفض المقترح الاخير بأن يشمل حي صلاح الدين، بل وايضاً في رفض الالتقاء بأي شخص من البعثة الأممية التي ذهب بعض افرادها الى حلب.
قد تكون «العلّة» في عدم كفاءة هؤلاء «الوسطاء».. لكن الاكثر بروزاً هو ان هناك من يُفشلهم ويضع العصي في دواليب مهمتهم المتعثرة ويرغب في اطالة الازمة الى ان تميل الكفة الراجحة الى صالحه، ويبدو أن هؤلاء، يعيشون الاوهام ذاتها التي عشعشت في عقولهم، بدايات اندلاع الازمات وخصوصاً في سوريا قبل اربع سنوات، كذلك في ليبيا واليمن.
.. عبثاً يحاولون... والأيام ستقول.
(الرأي 2015-03-09)