متفائلون ولكن..

علينا أن نتوقف قليلًا عن تكرار الحديث عن الاصلاح السياسي، ونحن لا نرى فعلًا ملموسًا على الأرض، لأن قضايا الاصلاح السياسي في الأردن لم تغب يومًا عن كتاب تكليف سامٍ، ولم تغب أيضًا عن برامج أية حكومة أردنية، لكنّ مسار الاصلاح السياسي في الأردن دائمًا يتأرجح بين "خطوة للأمام وأخرى للخلف".
الأردن في حالة تمكنّه من النجاح في إنجاز إصلاح سياسي بصورة متوازنة، فهو يتمتع بأوضاع جيدة من الاستقرار الأمني والوحدة الوطنية والعقلانية والنضج السياسي، ويتوفر لديه الكثير من التجارب والمؤسسات والبيئات اللّازمة لنجاح الإصلاح السياسي. ولكن على الرغم ما بُذل من جهود في السنوات الأخيرة للسير قُدمًا بالإصلاح السياسي، إلّا أن نتائج التفاعل بين توزيعات وهياكل وآليات وقوى الحكم والتأثير في الأردن مع مجمل التطورات المحلية والإقليمية والعالمية الكثيرة، ومع إرادات القوى الشعبية.. لم تثمر حتى اليوم أية نقلة نوعية في هذا الاتجاه.
فالتعديلات الكثيرة على قوانين الاصلاح، ومن قبلها إقرار قوانين الإرهاب، تشكك كثيرًا في جدية التوجهات نحو الإصلاح، برغم أن الخطاب الرسمي كان يؤكد "أن عام 2010 سيكون عام الإصلاح السياسي في الأردن، من خلال خوض تجربة اللامركزية والمجالس المحلية التي تعد محطة مهمة من محطات الإصلاح السياسي"، وها نحن دخلنا عام 2015 ولم نر حتى الآن محطة اللامركزية والمجالس المحلية، ونشك في أن نرى قانون انتخاب عصريًا وتقدميًا.
لكن، في ضوء معاني الإصلاح، وحتى نكون موضوعيين؛ هل نستطيع أن نقول: إن لدينا إصلاحًا سياسيًا في الأردن، أم ما نزال نتلمس طريقنا نحوه؟ يمكن القول: إننا بدأنا خطوات أولية في بداية تسعينيات القرن الماضي، وسرعان ما توقفت، ثم تراجعت مسيرتنا في مختلف المجالات: الحريات العامة، الممارسة الديمقراطية، الصحافة والإعلام، العلاقة مع الأحزاب والمؤسسات الأهلية ودورها، الاقتصاد والإدارة العامة وفعاليتها، وفي الوحدة الوطنية وقيم المجتمع، وفي مستوى المعيشة، وفي علاقاتنا العربية، كما أصبحت معاهدة وادي عربة أحد نواظم الحياة العامة في مختلف المجالات، وأصبحت استحقاقاتها تتحكم بمفاصل علاقاتنا الداخلية والخارجية.
بوضوح أكثر؛ وخلافًا لما يعتقد بعضهم، فإن تحديات الأردن المستقبلية المؤثرة في جهود الإصلاح الديمقراطي، أو بلغة أبسط وأدق، معوقات عملية الإصلاح الديمقراطي في الأردن هي في الأساس تحديات ومعوقات داخلية، تنبع من داخل المجتمع الأردني وتركيبته الديمغرافية، أما العوامل الخارجية، بما فيها البعدان الإقليمي والدولي، فأثرها ثانوي مقارنةً بالعوامل الداخلية.
نحن أمام قضية مركزية عنوانها الإصلاح السياسي، وما تعنيه هذه القضية من منظومة شاملة ذات بعد سياسي وثقافي وتربوي وقانوني ودستوري، فالإصلاح السياسي لا يمكن اختزاله بخطوة في هذا الاتجاه أو ذاك، وهو مرتبط أولًا بإرادة سياسية مؤمنة إيمانًا حقيقيًا بالإصلاح، وثانيًا بمنظومة قوانين عصرية للانتخاب والأحزاب والبلديات.
الإرادة السياسية متوفرة لتحقيق إصلاح سياسي حقيقي، وما علينا سوى المباشرة بإنجاز سلسلة من الإجراءات والقوانين التي تشكل رافعة ضرورية لإقامة مجتمع مدني، وحياة ديمقراطية؛ من أبرز إنجازاتها التخلص من قانون الصوت الواحد الذي عطّل تطور الحياة الديمقراطية، وأضعف تأثير الحركة السياسية في مجلس النواب، وصبغ بُنيته بالصبغة العشائرية.
متفائلون بالمرحلة المقبلة، نعم، وبالظروف التي حتّمت التغيير، وبتطورات الأوضاع عربيًا وعالميًا، لكن التجارب علّمتنا أننا نخطو خطوة نحو الإصلاح ثم نعود خطوتين للوراء، ونمشي كثيرًا لكن "مكانك سر"، فهل نغادر هذه المرحلة إلى رحاب أوسع من الألق الإصلاحي؟.
(العرب اليوم 2015-03-10)