دبابة الدولة والمنطق المتناقض

ارتكزت الحملة الإعلامية الهوجاء التي يشنها أبطال الفضائيات ضد مخالفيهم بأنهم جماعة الدولة، وجاءوا على ظهر دبابة الدولة، وأنهم أخذوا ترخيصهم من الحكومة، وأصبحت هذه المعزوفة التي يتبناها جيش من الأتباع ويتم ترديدها مثل ورد المأثورات، ويجري السير حثيثا بالتعبئة التي تصل الى حد هدر الدم! ولست بصدد الدخول في سجال حول كثير من المغالطات والمزايدات والاتهامات التي تعبر عن مستوى من الخطاب لا يليق بسياسي، فضلاً عمن ينتسب إلى جماعة فكرية إسلامية معتدلة.
ربما لو اقتصر الحديث على مقولة المخالفة التنظيمية، لكان في ذلك وجهة نظر تحترم وتقدر، وعند ذلك يتم الشروع في الحديث عن أسباب هذه المخالفة والعوامل المتراكمة عبر سنوات طويلة؛ دفعت مجموعة للبحث عن التصويب الذي كان عنواناً لتصويب مسيرة الجماعة كاملة بخطابها وفكرتها وفلسفتها التي تم اختطافها، وأصبحت تشكل غطاءً شرعياً لممارسات تنظيمية غير صحيحة وغير مقبولة.
ما يستحق التوقف في هذه المعركة الإعلامية الصاخبة، حكاية العلاقة مع الدولة، وكيفية النظرة إلى الدولة الأردنية على وجه التحديد، فهل يعتبر هؤلاء أنفسهم جزءاً من الدولة، وهل يخضعون لدستور الدولة وقانونها، أم هم جسم آخر منعزل عن الدولة وفي مواجهة الدولة، حتى يتم إطلاق تهمة التبعية للدولة، وعلى ماذا يرتكز هذا الإتهام الخطير؟ خاصة وأنهم ناقضوا أنفسهم عندما طلبوا من رأس الدولة التدخل، وذهبوا وقابلوا الحكومة لاستجداء قول أو تصريح يحفظ بعض ماء الوجه.
الشتيمة الثانية للمخالفين أنهم حصلوا على ترخيص من الحكومة والسؤال الذي يطرح نفسه وهل هناك طريق للحصول على الترخيص من جهة أخرى؟ وهل هناك جهة خارجية تمنح الرخصة والشرعية؟ وفي الوقت نفسه هناك تناقض بالاستناد إلى رخصة عام (1946م)، وهل الترخيص الذي تم عام (46) خارج إطار الحكومة الأردنية؟ وهل كان رئيس الحكومة آنذاك «توفيق أبو الهدى» رئيساً لحكومة عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز، وما الفرق بينه وبين الرئيس الحالي من حيث موقع المسؤولية والشرعية الوطنية؟.
إذن يجب حصر المسألة في إطار المخالفة التنظيمية وعدم الذهاب إلى التصريح والتلميح للأتباع وممارسة الخداع والتضليل للعامة بالاتهام بالتبعية للدولة أو من خلال جريمة الذهاب إلى الحكومة بالقيام بإجراءات طلب التصويب القانوني لوضع غير سليم ومهدد بإجراءات قانونية من طرف واحد يؤدي إلى إلحاق الضرر بكل فرد منتظم داخل الجماعة، ولن يقتصر الضرر على فرد دون فرد أو على فئة دون فئة.
قضية كيل التهم بالتبعية للدولة، تنطلق من إحساس عام جرى زرعه في أفراد التنظيم عبر سنوات طويلة من خلال رأي فقهي يحرّم المشاركة في السلطة التنفيذية (الحكومة) ويحلل المشاركة في السلطة التشريعية للنظام الجاهلي نفسه؛ وأشد الأمور غرابة أن يركض من يتبنى هذا الرأي ركضاً لأن يكون نائباً في البرلمان ويحصل على راتب مقرون بمكافأة يأخذها من خزينة الدولة الجاهلية، مما أوجد إرباكاً لدى الأجيال الجديدة، وأدى إلى إيجاد الحس المغترب عن الدولة، الذي يستنكر مجرد التبعية للدولة، ويصبح التعامل معها رجساً من عمل الشيطان.
وهنا اضطر إلى مخاطبة من كان سخياً بإطلاق التهم: أني شخصياً اعتقلت لدى دائرة المخابرات ومكثت في زنزانة انفرادية لمدة تقارب العام، وهي تساوي بعدد ساعاتها عدد اللقاءات التنظيمية لهذا المتحدث طوال حياته، وهو لم يعرف الاعتقال ولم يغلق عليه بالزنزانة يوماً، ومع ذلك أريد أن أقول بكل صراحة وعلى رؤوس الأشهاد أن ما حصل معي لم يضعف انتمائي لوطني ولم يحصل في صدري أي درجة من درجات الكره للدولة الأردنية، وسوف أقوم بالدفاع عن بلدي عندما أشعر أنه يتعرض للخطر بطريقة أكثر شراسة من الأجهزة الأمنية، لأني أعتقد جازماً بطريقة لا تقبل التردد أن الدولة الأردنية ليست ملكاً للأجهزة الأمنية، وليست ملكاً لحكومة ولا وزارة.
إن الإصرار على حس الاغتراب عن الدولة أوجد انفصاماً نكداً بين الجماعة والدولة، وحرَم الوطن من جهد الكفاءات والطاقات التي تختزنها الجماعة من أن تكون في خدمة الدولة والمجتمع، وهنا يجب القول بكل صراحة لا تقبل التردد، أن الانتماء العميق للدولة والوطن والشعب لا يعني عدم الجهر بالحق ولا يعني ممالأة الفساد والبطلان، وإذا ظن بعضهم أنهم أكثر شجاعة وجرأة في مواجهة الخطأ فقد غرقوا في بحر من الوهم والخيالات المريضة والعجز عن رؤية الحقيقة المبهرة التي تعجز أبصارهم عن رؤيتها.
(الدستور 2015-03-10)