وحشية بلا حدود

لا يمكن لإنسان، يقرأ تفاصيل الجريمة البشعة التي ارتكبها "أب" بحق فلذة كبده (8 أعوام) يوم الاثنين الماضي بمنطقة قريبة من الدوار السابع في عمان، إلا أن يشعر بالغضب والألم والحزن. فهذه الجريمة الوحشية لا يمكن غفرانها، ولا يمكن استيعابها.. فالأب الذي من المفترض أن يحمي أبناءه، ويدافع عنهم، ويعمل كل ما بوسعه، وأكثر من ذلك، ليحافظ عليهم، اقترف جريمة خطيرة بحق طفل ضعيف ليس فقط من ناحية العمر، وإنما أيضا من ناحية المرض.
فالطفل بحسب المعلومات التي صرحت بها مصادر أمنية مطلعة على التحقيق لـ"الغد"، أول من أمس، مصاب بمرض التوحد. وللأسف، فإن الطفل الذي بحاجة إلى رعاية واهتمام وحب وحنان من أسرته، وجد من والده عكس ذلك. فالأب، كما ادعى في التحقيق، قتل طفله، رحمة به. وهذا لا يمكن أن يكون صحيحا، أو حتى مقبولا. فالأب المجرم الذي أراد أن يرحم ابنه، قذف به من الطابق الرابع، وقام بعدها بإحراق جثته حتى لا يتعرف عليها أحد، فعن أي رحمة يتحدث هذا المجرم؟ إنها محاولة من قبله، لإثارة شفقة الآخرين عليه، لعدم تصنيفه مجرما وقاتلا. لو كان يسعى إلى التخفيف عن ابنه، لبذل كل الجهود لتحسين حياته، كما يعمل الآباء الذين لديهم أبناء مصابون بالتوحد. نعم، هؤلاء بحاجة إلى رعاية خاصة، وجهود جبارة من قبل الأهل لتربيتهم وتعليمهم. وكما هو معروف، فإن الكثير من المصابين بالتوحد، تحسنوا، وأصبحوا منتجين، وعلماء ومفكرين، نتيجة للاهتمام الكبير والرعاية التي حصلوا عليها من قبل أسرهم والمجتمع.
إن الجريمة البشعة التي اقترفها الأب تستدعي من الجهات المختصة إقرار تشريعات لحماية الأطفال المصابين بأمراض التوحد، أو المصابين بإعاقات ذهنية. كما يستدعي ذلك، أن تقوم الجهات المختصة أيضا بمساعدة الأهل الذين لديهم أبناء من ذوي الإعاقة الذهنية وغير الذهنية، لتمكينهم من القيام بتربية أبنائهم بطريقة مناسبة.
يذكر، أن رعاية وتربية وتعليم الأطفال المصابين بالتوحد مكلفة ومكلفة جدا على المستوى المادي. لكن هذه الرعاية تكون في كثير من الأحيان مثمرة حيث يتحسن الطفل، ويستطيع أن يتفاعل مع المجتمع المحيط فيه. وليس هذا فقط، بل يمكن أن يصبح منتجا وفاعلا في هذا المجتمع، ويستطيع أن يحقق إنجازات كبيرة.
إن الجريمة على بشاعتها، تستدعي من الجميع، وخصوصا الجهات المعنية، الرسمية والأهلية، العمل من أجل حماية الأطفال الذين يحتاجون إلى الحماية والرعاية والاهتمام. هي جريمة بشعة، لكن يمكن أن لا تتكرر، إذا عملنا معا لمساعدة أبنائنا.
(الغد 2015-03-14)