إسرائيل في مواجهة نفسها

تم نشره الإثنين 16 آذار / مارس 2015 01:39 صباحاً
إسرائيل في مواجهة نفسها
إبراهيم غرايبة

تصلح الانتخابات الإسرائيلية - باعتبارها الانتخابات الأكثر صحة في المنطقة- مؤشرا ملائما لتقدير التفاعلات السياسية والإقليمية، كما فهم الاتجاهات الإسرائيلية السياسية والاجتماعية. إضافة إلى أن إسرائيل نفسها، كحدث ومسار ووجود، تؤشر بوضوح على الخريطة العالمية. فهي من مخرجات الحرب العالمية الأولى كمشروع، والحرب العالمية الثانية كدولة. وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن التمدد الإسرائيلي العام 1967، كان خروجا على خرائط الحرب العالمية الثانية، كما كانت إسرائيل نفسها العام 1948 خروجا على تصورات المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، كما عبر عنها وعد بلفور العام 1917.
ما الذي يكبح المنتصر الذي يواصل انتصاراته، ثم تحويلها إلى مكاسب جديدة؟ الخريطة الإسرائيلية في تغيرها تعبر عن هذا الانتصار المتواصل؛ دولة 48 التي تفوق خريطة وتصور العام 1917 في امتدادها ومحتواها أيضا؛ فالمنتصرون في الحرب العالمية الثانية ليست أفكارهم بالطبع كما هي بعد انتصار الحرب العالمية الأولى. ولكن إسرائيل 67 هي قفزة إلى الأمام، مستقلة عن العالم؛ توسع أغوى به الضعف العربي، أكثر من تغير المنتصر الأكبر!
سيكون مقال اليوم عن الانتخابات الإسرائيلية، قبل حدوثها بيوم واحد، مغامرة تخضع سريعا للاختبار. لكن الجدل الإسرائيلي والأميركي ما يزال كما يبدو يراوح بين هضم الانتصار أو تقيئه!
تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم للوسط وحلفائه بقيادة ليفني وهيرتسوغ على اليمين بقيادة نتنياهو. ولكنه تقدم إن حدث لا يمنح تفويضا كافيا لخطوة واسعة جريئة، تغطي ما يعد به الوسط عن دولتين متجاورتين. في المقابل، فإن لدى اليمين ما يفعله ويكسبه في ظل الأحداث الإقليمية التي تعصف بالشرق العربي، أقلها مواصلة الاستيطان حتى لا يعود مكان لدولة فلسطينية قادمة!
ولكن السيل كما يقال يعود دائما إلى مجراه. فما يزال الشرق العربي غير قادر على تجاوز النقطة التي وصل إليها غداة الحرب العالمية الأولى. لم تكن مائة سنة، كما الانتصارات المتوالية، كافية لتكريس الخريطة الجديدة الشاذة للشرق العربي؛ فهناك مشكلة كبرى في خريطة إسرائيل، أنتجت متوالية من المشكلات في خريطة سورية والأردن وفلسطين ولبنان والعراق وتركيا... وسيظل الإقليم ودوله في حالة عدم استقرار حتى تستقر خريطته؛ العرب الذين صاروا جزءا من تركيا، والكرد الذين توزعتهم خمس دول، والفلسطينيون الذين أخرجوا من وطنهم، والمناطق التي قسمت وفصلت عن سياقها وإن بغير عداء، مثل حوران وغرب الفرات والجولان وسيناء... وإسرائيل نفسها التي كانت قبل احتلال الضفة الغربية لا يزيد عرضها في بعضه المناطق على 12 كيلومترا، والتي امتدت شمالا على حساب لبنان واستولت بعد سنة من قيامها على أم الرشراش/ إيلات متجاوزة الحدود المرسومة لها.
إسرائيل والإسرائيليون اليوم في مواجهة مفترق طرق؛ مواصلة السياسات والاستراتيجيات القائمة التي تعني تدميراً للذات، أو مراجعة استراتيجية تنشئ استقراراً قائماً على الاندماج؛ دولة ديمقراطية واحدة لليهود والفلسطينيين، أو دولتان متجاورتان، أو دولة واحدة دكتاتورية تحكم اليهود والفلسطينيين. لكن المبادرات الاستراتيجية العظمى تحتاج إلى حروب وأحداث عظمى. وكما كانت الخريطة القائمة محصلة للحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، فلن تتغير هذه الخريطة إلا بحرب عالمية جديدة.
وبالطبع، فإن الحروب والاستراتيجيات لا تنشأ بقرارات أو خطط محكمة مدبرة. ولكنها استجابات حتمية للتحولات والتغيرات. هل يمكن الاستجابة من غير حروب وتضحيات كبرى؟ نظرياً يمكن الإجابة بـ"نعم". لكن عملياً، ما يزال حدوث ذلك غير ممكن. إذ ثمة ميل غالب للاحتفاظ بالبنى السياسية والاجتماعية القائمة، حتى مع الرغبة في الإصلاح والتكيف، وهو أمر مستحيل!

(الغد 2015-03-16)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات