توني بلير سـ «يستقيل» مَنْ يأسف عليه؟

في توقيت محسوب وخصوصاً في «ضجة» الاتفاق النووي الايراني الوشيك الحصول، ودائماً في الجدل غير المسبوق، الذي تثيره انتخابات الكنيست «رقم 20»، وعلى وجه التحديد في اعلان نتنياهو (الذي قد يخسر موقعه ويعتزل العمل السياسي، وهو أمر سيكون معروفاً صباح اليوم في ضوء النتائج النهائية لانتخابات يوم أمس)، ان «لا» دولة فلسطينية ستقوم اذا ما بقي رئيساً للوزراء، وأن القدس لن يتم تقسيمها وستبقى عاصمة ابدية موحدة لاسرائيل.. أطلق توني بلير، الذي تم «تفصيل» وظيفة على قياسه كمكافأة له على مشاركته جورج بوش غزو العراق وتدميره، فخلعوا عليه لقب «مبعوث» الرباعية الدولية، وكأن تلك الرباعية جسد بروح أوهي منظمة اقليمية أو دولية بيروقراطية كبيرة الحجم والمكاتب والموظفين، تحتاج الى من «تبتعثه» كي يقوم بمهام مكوكية، ويسرّع من عملها والكل يعلم ان «الرباعية» أُوجِدَت فقط لشراء الوقت (أو تبديده)، ولرفع العتب على الراعي الاول والوحيد لعملية السلام وهو السيد الاميركي ممثلاً بوزارة خارجيته ومتابعة البيت الابيض، ولم يَملك هذا الجسم الغريب أي صلاحية أو دور بدون ضوء أميركي أخضر، أو في كل الاحوال قيام «بعض» اعضائه بإطلاق تصريحات تهدئة، ودائماً فارغة المضمون والغايات، لإشعار الاخرين أنه موجود في ذلك الاطار «الصدئ» الذي أُوكل الى توني بلير في العام 2007 المهمة القذرة التي نهض بها على اكمل وجه، في تبرير مواقف اسرائيل وفي الجبن أمام انتقاد جرائم الحرب التي ارتكبتها والجرائم ضد الانسانية التي قارفتها في الضفة الغربية المحتلة وخصوصاً في قطاع غزة، عبر ثلاث حروب مدمرة وكارثية كان آخرها المذبحة المسماة «الجرف الصامد»، لم يمتلك (هذا السياسي البريطاني الأرعن والفاقد لأي وازع اخلاقي أو انساني أمام سادته الاميركان وخصوصاً الصهاينة) الشجاعة لاطلاق كلمة أو حثٍّ على العدالة والتزام حقوق الانسان الفلسطيني، الذي يتوجب على دولة الاحتلال القيام به كدولة محتلة.
حفيد المُستعمِرين البريطانيين والاكثر تبعيّة للمشروعين الاميركي والصهيوني (بافتراض وجود فوارق بينهما) استمتع طوال ثماني سنوات برحلات مكوكية ومقابلات على مستويات عالية وإجازات ورواتب، ولم يغادر ما تعوّد عليه من فخامة وبذخ عندما دخل مكتب 10 داوننغ ستريت كأصغر رئيس للوزراء في تاريخ بريطانيا، التي عادت الى حجمها الطبيعي، بعد ان تحولت الى تابع ذليل للامبراطورية الاميركية الصاعدة، منذ هزيمتها في حرب السويس (العدوان الثلاثي على مصر الناصرية 1956)، لم يغتنم الفرصة-هذا السياسي المتلوّن الذي «طُرد» من موقعه ولم يستقل باختياره او رغبته-كي يكفّر عن الجريمة التي ارتكبتها بلاده بحق الشعب الفلسطيني، عندما استعمرت ارضه (تحت مسمى كاذب ومضلل اسمه الانتداب)، وراحت بخبث ودناءة استعمارية معروفة، تنفِّذ وبحماسة مشروع بلفور، كي يُترجم عملياً في الانسحاب / المؤامرة الذي تم في الرابع عشر من ايار 1948، بعد ان تم ترسيخ مقومات الكيان الصهيوني وتفتيت قوى الشعب الفلسطيني والتنكيل به، وإفشال مقاومته الشعبية الفريدة، وخصوصاً في فتح ابواب فلسطين على مصاريعها امام الهجرة اليهودية المكثفة لفلسطين، والتي لم تستطع رغم كل المؤامرات والتسهيلات ان تغيّر في الاغلبية الديمغرافية، لكن المؤامرة اكتملت وموازين القوى اختلت.
ماذا لو بقي بلير؟
يبدو ان دوره قد استنفد، ولم يعد احد على قناعة بأن الرجل الاميركي الهوى والتوجيه، قادر على توفير «البضاعة»، ما بالك ان السيد الاسرائيلي الذي لا يفكر ولم يفكر بلير ذات يوم باغضابه، قد أغلق كل الابواب وبات يرفع قفازات التحدي في وجه ساكن البيت الابيض وفي عُقر داره بل وفي أهم مؤسسة اميركية هي الكونغرس، ضارباً عرض الحائط بكل الاعراف والبروتوكول واللياقات الشخصية او السياسية او الدبلوماسية بل والاخلاقية؟
اعضاء الرباعية لن يذرفوا دمعة واحدة على توني بلير، حتى السيد الاميركي الذي ربما يحاول ان يبحث عن دمية اخرى اقل بشاعة (سياسية بالطبع) من بلير، فيما روسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة، لا يولون اهمية او جدّية لهذا الاطار الفارغ من محتواه الذي لم يستطع ان يُنجز اي شيء يُذكر او يُسهم في دفع «عملية السلام» الى الأمام..
من يأسف عليه؟
ربما يكون الجانب الفلسطيني هو الذي «سيُواسي» نفسه، ويُصدر بياناً باهتاً بلغة مغسولة، يأسف لهذه الاستقالة، ويتمنى لو انه يُعدّل عليها او ربما (نعم ربما) يُطالبه بأن يكتب تقريراً شاملاً لأعضاء الرباعية او لمجلس الأمن، يؤشر فيه على الطرف الذي يتحمل مسؤولية إفشال مهمته(...).
... بلير لن يكتب تقريراً كهذا، وإن غادر موقعه هذا، فسيغادره الى مكان آخر او وظيفة اخرى، كفيلة واشنطن بايجادها له، حتى لا يذهب الى تقاعد مبكر ولا تستفيد من خدماته التي رأينا نموذجها «الفاضح» طوال السنوات الثماني الماضيات.
(الرأي 2015-03-18)