مفاوضات «لوزان»..انفراج أم انفجار؟

تتسارع خطوات المتفاوضين حول الملف النووي الايراني، وتتزايد المناورات واطلاق بالونات الاختبار ورصد ردود الافعال على التصريحات والتصريحات المضادة، وخصوصاً التسريبات المقصودة سواء تلك التي تُنْذِر بانهيار المفاوضات وعودتها الى المربع الاول, بكل ما يحمله هذا التطور من مخاطر واحتمالات تسخين، أم تلك التي تترك هامشاً كبيراً من التفاؤل, وتوحي بأن احتمالات التوصل الى اتفاق يوم غد الجمعة (الموعد النهائي للمفاوضات هو 31 اذار الجاري) أكبر مما يتصور كثيرون, وأن «المُتبقي» من الخلافات، لا يعدو صغيراً ومحصوراً في قضية رئيسية «واحدة».
نحن اذاً أمام الفصل الاخير من مشهد المفاوضات الماراثوني والطويل الذي ادارته طهران, وخصوصاً بعد وصول الشيخ حسن روحاني الى رئاسة الجمهورية... بحنكة وصبر, وخصوصاً دراية ومرونة اسهمت كلها في «تطويع» المتشددين في منتدى «الستة» وبخاصة فرنسا, التي تبدو الان وكأنها تريد «استلحاق» نفسها، بعد ان رأت وتابعت وعلمت أن لندن واشنطن تستعدان لالتهام جزء من «الكعكة» التي لوّحت ايران بها, اذا ما تم توقيع الاتفاق وخصوصاً اذا ما رُفِعت العقوبات, الأمر الذي تجلى (فرنسياً) في وصول لوران فابيوس (الصقر والمُعطِل) الى لوزان لحضور الدقائق الاخيرة من المفاوضات الايرانية الاميركية, التي يبدو أنها قد اشرفت على الانتهاء, رغم التصريحات المتضاربة، إن لم نقل المتناقضة التي ادلى بها الطرفان, حيث يقول علي اكبر صالحي رئيس الهيئة الايرانية للطاقة النووية ان 90% من المسائل قد حُلّت, فيما ترد واشنطن وعلى لسان اوباما بالقول: ان احتمالات النجاح والفشل متساوية, بمعنى أنها «ففتي ففتي» أي (50%-50%).. وكان الجد «الطيب» الذي لا يَكّل من السفر والترحال جون كيري قد قال: إن على طهران اتخاذ قرارات صعبة جداً لتهدئة المخاوف الكبرى! ولم تتردد طهران وعلى لسان وزير خارجيتها جواد ظريف في توضيح الامر, عندما قالت إننا لا نتفاوض مع اميركا بل مع مجموعة الستة, الأمر الذي فهمته واشنطن كرسالة ايرانية، يُراد من خلالها القول أن الامر ليس بيد اميركا وحدها, وبخاصة أن واشنطن دأبت على الايحاء بأن «الأمر» يعود لها وحدها.
الى أين من هنا؟
العالم في حال ترقّب وانتظار, أما الذين يستبد بهم القلق فهم... العرب (دع عنك اسرائيل، التي تستطيع تأمين مصالحها وأمنها عبر حلفائها المُخلِصين في واشنطن ولندن وباريس وبروكسل «الاتحاد الاوروبي»). لانهم (العرب) وضعوا كل بيضهم (بافتراض انه بيض طازج وصحي قابل للتفقيس) في السلّة الاميركية، وراحوا يراهنون على تشدد ساكن البيت الابيض في هذا الملف، رافضين التدقيق في معادلات وتحالفات وخصوصا أزمات وموازين القوى في المنطقة وعلى مستوى العالم، فضلا عن تراجع (حتى لا نقول إنعدام) الاوزان والحجوم العربية في معادلات المنطقة، بعد ان تحولت بلادهم الى ساحات للعنف والارهاب والحرائق وسادت سياسات الثأر وتصفية الحسابات وخصوصا الأحقاد في صفوف قياداتها واجهزتها ودائما اصحاب العمائم لديها، الذين أججّوا الغرائز الطائفية والمذهبية وأعادونا اربعة عشر قرنا الى الوراء، عبر استدعاء اجواء الخصومات والصراعات المذهبية والقبائلية والعشائرية والعرقية، التي اسهمت في سفك دماء الابرياء، وأساءت الى كل قيم التسامح والتعايش والاخاء والمحبة التي جاءت بها الاديان السماوية السمحة.
ايران إذا (وبصرف النظر عن كل الاخطاء بل الخطايا التي قارفها بعض سياسييها واعلامييها ومن يتقدمون الصفوف في بعض اجهزتها والمؤسسات) تقف في وجه محاوريها «السِتّة» وتطرح على الطاولة اتفاقا يحمي مصالحها ويعزز من دورها ويرفع العقوبات عنها في شكل رسمي ومضمون، بعيداً عن التعهدات الشفوية او حسن النِيّات او السذاجة السياسية، التي وقع فيها كثير من المتحاورين او المفاوضين العرب (هل تذكرون انور السادات في كامب ديفيد امام بيغن وكارتر؟) ولهذا تصّر على ان يكون رفع العقوبات الدولية عنها عبر قرار من مجلس الامن وفق الفصل السابع، تاركة مسألة العقوبات الاميركية «مُشكِلة» او لغماً لدى الاميركيين انفسهم، الذين سيسارعون الى رفعها رغم تهديدات الجمهوريين الجوفاء، لأن السوق الايرانية تبيض ذهباً لشركاتها واستثماراتها.
ليس صدفة او تبجحا ان يخطب الرئيس الايراني حسن روحاني بين جمهوره بنشوة قائلا: زمن العقوبات والحظر والضغوط «ولىّ».. مستطرداً بكبرياء وثقة يُحسد عليهما: نبقى حازمين امام القوى الكبرى.. وعاجلاً ام آجلاً.. ستكون لدينا نتائج!
مجرد ساعات معدودات، يعرف العالم أجمع نهاية ماراثون طويل ومرهق لم يُضّطر الغرب الاستعماري وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية الى خوضه امام اي دولة من دول الجنوب (العالم الثالث) تحت طائلة الغزو والضربات الوقائية والحروب الاستباقية والقصف بصواريخ الكروز، لكن ايران لعبت اوراقها ببرود اعصاب وتجميع للنقاط وصبر وحنكة ودهاء وكان لها ما ارادت.. قد لا تحصل على كل ما تريد، لكنها لم تدفع الثمن الباهظ الذي دفعه العرب دائماً.. دون عوائد تُذْكَر، سياسية كانت أم اقتصادية أم أمنيّة.
(الرأي 2015-03-19)