نحو ترويج سياحي فاعل

حقيقة التراجع في أرقام التدفق السياحي إلى البلاد، لاسيما السياح من أوروبا وآسيا، تستدعي مراجعة كبيرة؛ لإعادة التوازن لمصدر دخل أساسي، يشكل 13 % من الناتج المحلي الإجمالي. وهذه الضرورة العاجلة تصبح أكثر أهمية عندما نعلم أن الاستراتيجية الوطنية لتطوير السياحة، والتي اعتمدت في السنوات الماضية، ستنتهي هذا العام؛ فعلينا الاستفادة من الأخطاء والثغرات التي واجهها تطبيق تلك الاستراتيجية.
تجاوزت نسبة التراجع العام الماضي 25 % بالنسبة للزوار الأجانب. وفي المقابل، شهدت أعداد السياح من الدول العربية نموا جيدا. وهو ما يعني أن هناك إشكالية في قدرة الأردن على التأثير في السائح الأوروبي والأميركي والآسيوي، ونقل المعلومات الصحيحة إليه، بخصوص الاستقرار الذي تنعم به الدولة وسكانها. وهذه قدرة إعلامية تبدو غائبة. فرغم المحيط الملتهب، والحروب الجارية والدماء التي تسيل، إلا أن الأردن بقي مستقرا، وقادرا على الحفاظ على هذا الاستقرار، بما يشمل السياحة وتنقل السياح، والاستمرار بإيقاع حياة طبيعي وهادئ، خلافا لكل ما حوله.
ثمة أسئلة ملحة هنا، منها: ما الذي فعلته مؤسساتنا المعنية بالسياحة، أو سواها، لشرح حقيقة الوضع للسائح الأوروبي والآسيوي؟ وما هو الجهد الإعلامي الدعائي في الخارج، في محاولة لتشكيل صورة ذهنية واقعية لأحوالنا لدى السياح الاجانب؟ يبدو أن الإجابة عن هذين السؤالين تكشف حجم الضعف في هذا السياق. فالآخر يرسم في إعلامه ما يريد من صور نمطية عما يجري في بلادنا، فيما نحن نقف مكتوفي الأيدي حيال تغيير تلك الانطباعات. إذ صحيح أن الإرهاب والقلق يتصاعدان خلف حدود بلادنا، لكن الأردن ظل طيلة السنوات الأربع الماضية قويا آمنا، وهو ما يجب أن يصل إلى المتلقي في البلاد البعيدة.
بضعة ملايين للترويج السياحي لا تكفي. وهذه إشكالية قديمة جديدة، كثر الحديث عنها، من دون تحقيق الاختراق المطلوب. وهنا لا يجدي الإبقاء على ذات الأدوات التقليدية. وفي تقديري، فإن الحكومة وحدها ليست قادرة على تحقيق الاختراق المنشود لجذب السياح في ظل ظروف إقليمية سلبية جدا؛ فالقطاع الخاص يجب أن يتحمل المسؤولية الأكبر في هذا المجال. وتشير الدراسات إلى أن انفاق دينار واحد للترويج السياحي الذكي في الخارج، يعطي مردودا يتجاوز 140 دينارا.
تقديم العروض السياحية الجاذبة أداة، أيضا، في هذه المرحلة. وما فعلته مفوضية سلطة إقليم البترا قبل أيام، من خلال معاملة الزائر العربي مثل الزائر الأردني على صعيد رسوم دخول المدينة الوردية، يشكل عنصر جذب جديدا. هذا علاوة على العروض الجاذبة التي قدمتها الفنادق في البترا من أجل إدامة التدفق السياحي. وهذه الخطوات ضرورية لتفادي الظروف الصعبة التي تمر فيها المنطقة على مستوى عائدات السياحة، وتقف المملكة في مقدمة المتضررين.
مسؤولية الترويج السياحي مسؤولية جماعية، لا تخص حكومة بعينها. لكن على الحكومة معالجة العثرات التي كشفها تطبيق الاستراتيجية الأخيرة، ومنها ضعف الترويج السياحي في الخارج، ونقص المشاركة المطلوبة بالنسبة للكوادر السياحية المحلية، وعلى رأسها عزوف المرأة عن المشاركة الفاعلة في العمل السياحي، وبقاء مشاركتها ضمن حدود 10 % فقط. والمطلوب أيضا أن يكون الجهد الإعلامي للوصول إلى السائح الأجنبي، أكثر قوة وتخطيطا، حتى لا تبقى لديه رواية مرتبكة عن مخاطر الإرهاب وتداعياته.
(الغد 2015-03-21)