رسائل الأردن في التقارب مع طهران

أحدثت زيارة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية ناصر جودة الى طهران مفاجأة وصدمة وارباكاً للمراقبين السياسيين في داخل الأردن وخارجه.
كثيرة هي الأسئلة التي أثارتها الزيارة بعد علاقات فاترة أشبه بالقطيعة بين الجانبين، فقد ظل موقع سفير الأردن في طهران شاغراً لسنوات حتى سمت الحكومة الإعلامي
عبد الله أبورمان سفيراً في إيران قبل أشهر، ولكن لم يتبعها أي تحركات حتى جاءت زيارة جودة.
السؤال المنطقي لماذا هذا التقارب الفجائي مع طهران، هل هي خطوة استباقية بعد الغزل والتقارب الأميركي الإيراني في خطوة تمهد الطريق لاتفاقية حول الملف النووي أم أن الأمر أبعد من الإشارات والتوجهات الأميركية؟
أكثر من رسالة أردنية كانت إيجابية نحو طهران، أولها وفاتحتها زيارة جودة، تبعها قبل أيام تهنئة الملك عبدالله للقيادة الإيرانية بعيد النيروز، وتزامن معها حديث لوزير السياحة نايف الفايز عن الترحيب بالسياح الإيرانيين في الأردن رغم أنهم من الجنسيات المقيدة ويحتاجون الى موافقات لدخول الأردن.
والشيء اللافت للانتباه في التوقيت الأردني للتقارب مع إيران أنه يجيء مع استدارة سعودية نحو إسطنبول، واستقبال هام للرئيس التركي أردوغان بما يحمل ذلك من دلالات على أن السعودية تحتاج للثقل التركي لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، وتحديداً بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء وفرضهم بالقوة سلطتهم وتفردهم بالقرار بما يعصف بالمبادرة الخليجية التي قادتها الرياض، ويشي هذا التحرك ايضاً بمراجعة السعودية لنهج القطيعة مع "الأخوان المسلمين" الذي قادته مصر والإمارات وعلى إيقاعه تحركت دول المنطقة، ويكثر الكلام الآن عن زيارة زعيم "حماس" خالد مشعل للرياض للقاء الملك سلمان، وفرملة اندفاع القاهرة لتبني قرار المحكمة باعتبار "حماس" جماعة إرهابية.
وعلى ضوء هذه المعطيات هل يمكن للأردن أن يتحرك في اتجاه معاكس للمظلة الخليجية في وقت تحشد فيه الجهود لخلق توازن سني بمواجهة الزحف الشيعي؟
أكثر من ذلك فإن المعلومات المؤكدة تكشف بأن قوات "حزب الله" الموالية لإيران والمتحالفة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد اقتربت ولأول مرة من الحدود الأردنية السورية، وأصبح لها تواجد بعد أن كان الامر سابقاً محصوراً بقوات الجيش الحر، وجماعة النصرة والنظام في بعض المناطق.
وهل يمكن أن نمضي في تحالف مع إيران يكون عنوانه فقط ضرب تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وبالتالي نحن مع قوات الحشد الشعبي في العراق التي تقود المعارك في الموصل، ونحن مع "حزب الله" وقوات النظام للقضاء على "داعش" وفي الطريق أيضاً جبهة النصرة في سورية؟
سياسيون لا يعتقدون أن التقارب مع إيران بات وشيكاً، ولا يتصورون أن تنسيقاً أمنياً وسياسياً وطيداً قد بدأ لمواجهة "داعش"، ويرون في كل الإشارات الأردنية رسائل جس نبض ليس أكثر من ذلك، تستشعر أهمية فتح القنوات الدبلوماسية وإيران على أعتاب فتح صفحة جديدة مع المجتمع الدولي وأميركا خاصة، في حين يذهب آخرون أبعد من ذلك للقول بأن الأردن يريد تنويع خياراته الدبلوماسية وفتح علاقات مع طهران ربما تنتج آفاقاً اقتصادية بعد عروض إيرانية سابقة لم يتشجع الأردن لها.
وفي هذا السياق يؤشرون الى عتب أردني على ضعف المساعدات والدعم الخليجي رغم أزمة الأردن الاقتصادية، في الوقت الذي ينهمر الدعم النقدي والاستثمارات لمصر لمساعدتها على تجاوز أزمتها السياسية، والأردن لا يزعجه ذلك، بل يريد إنصافاً وأن تنظر العين الخليجية أيضاً بتفهم أكثر لواقع الأردن، ويستذكر كل المقولات بأن الأردن جزء من مجلس التعاون الخليجي وعمق استراتيجي لها.
خلاصة القول، الغزل الأردني الإيراني قد لا ينتج إجراءات فورية ولكنه يحرك مياهاً راكدة، ويفتح قنوات اتصال في زمن التحولات والمفاوضات، وأيضاً يبعث رسائل للأصدقاء قبل الخصوم بأن الأردن ما يزال يملك القدرة على بناء تحالفات جديدة تكون مصدر قوة سياسية واقتصادية حتى وإن حلق خارج السرب قليلاً، فمصالحه تتقدم على مواقف ورؤية الآخرين.
(الغد 2015-03-22)