من خيار استراتيجي إلى حق ضائع

عندما تتحول الخيارات الاستراتيجية إلى ملفات تسخن أحيانا، ويتم تبريدها أحيانا أخرى، يصبح العبء الاقتصادي أكثر حدة على صعيد الدولة وأفرادها. وهذا ما حدث ويحدث بالفعل مع الأردن بشأن خيار استخراج الصخر الزيتي على مر عقود ثقيلة. وهو كذلك اليوم مع شركات أسست لغاية التنقيب عن هذه الثروة، فتحولت بفعل تداعيات هبوط أسعار النفط، إلى شركات تتعرض لمطالبات حقوقية من عمالها.
في شركة الأردن للصخر الزيتي، المملوكة لشركة "شل"، ثمة عمال ومهندسون فصلوا من عملهم بشكل تعسفي كما يقولون. وتطالب نقابة المهندسين بإعادة 9 مهندسين إلى عملهم، أو الاستجابة لحقوقهم المالية. وباتساع دائرة المطالبات، فإن نحو 270 موظفا في الشركة يخضعون لذات الظرف الطارئ، بعد أن تم إبلاغهم بعزم الشركة إنهاء خدمات عدد منهم؛ اذ سيتم وقف أعمال الحفر تبعا لهبوط أسعار النفط عالميا. علما أن المفصولين نفذوا اعتصاما للدفاع عن حقوقهم العمالية أمام وزارة الطاقة، يوم الأحد الماضي.
قصة الصخر الزيتي في الأردن مفتوحة على نوافذ الإخفاق لا النجاح. فالتباطؤ ظل السمة الأبرز حيال قرار استخراجه في عقود خلت. وبعد أن تشكلت شركات لهذه الغاية، أصبح الأمر اليوم عرضة لتقلبات أسعار النفط. ويبرز هنا سؤال: هل استخراج هذه الثروة مرهون بتطورات أسعار خامات الطاقة الأخرى، أم أنه قرار استراتيجي تسعى الدولة من خلاله إلى الاستفادة من مواردها بعد طول انتظار؟
الإجابات عن السؤال الآنف متعددة لدى المسؤولين والمتخصصين. لكن مخزونات الصخر الزيتي في الأردن تفوق حجم احتياطات النفط الأميركية، وتصل إلى 50 مليار طن وفقا لتقديرات خبراء. فيما يمكن استغلال 70 % من هذه المخزونات. وإذا علمنا أن كلفة استخراج الصخر الزيتي لا تتجاوز مليار دولار، فمن غير المقنع أن يرتبط استخراج هذه الثروة بأسعار النفط وتقلباتها، لاسيما استنادا إلى المردود العالي الذي ستجنيه الدولة واقتصادها وفاتورة الطاقة فيها، إذا ما تم الاستخراج تدريجيا، مع الحفاظ على البيئة.
أما إذا ارتبط استخراج ثروة الصخر الزيتي بتقلبات أسعار النفط، فإن كل الخطط والاتفاقيات التي وقعتها الحكومة في السنوات السابقة، وبما تطلب إنشاء شركات لهذه الغاية، ستكون في مهب الريح. فمن المرتقب، مطلع العام 2017، أن يبدأ الإنتاج الأولي لبعض الشركات الأردنية لكميات النفط من الصخر الزيتي. وهناك شراكات ترتبط بها المملكة في هذا الشأن.
فكلفة عدم الاستخراج تشمل اتفاقيات وقعت مع شركات عربية وأجنبية، كما تضم إنفاقا مفتوحا منذ أكثر من خمسة أعوام، استنزف ملايين الدنانير، علاوة على إهدار سنوات من العمل لتأمين بدائل للطاقة. كما قيام بعض الشركات اليوم باللجوء إلى تسريح مئات العمال والموظفين والمهندسين.
ليس هذا هو المأمول من كل التفكير والتخطيط الذي بذلته الدولة وقطاعاها العام والخاص طيلة السنوات الماضية. ومن غير المقبول أن تكون الخيارات الاستراتيجية في الاقتصاد عرضة للفناء بين ليلة وضحاها. كما أن المملكة مضطرة يوما إلى استخراج هذه الثروة. وتحديات الطاقة التي تواجهها خزينة الدولة في اللحظة الراهنة، تستدعي البحث في كل الحلول العاجلة والمتوسطة وبعيدة المدى، كي يتسنى للاقتصاد التحرر من قيد فاتورة الطاقة التي يتزايد عبؤها يوما بعد يوم.
(الغد 2015-03-24)