اعرف عدوّك

إن أول ركائز النصر على العدو أن تعرفه جيداً، مَن هو وطبيعته وأحواله وأهدافه ومنطلقاته وإمكاناته. وبغير هذه المعرفة الدقيقة والشاملة فإن فرص النيل منه والانتصار عليه محدودة إن لم تكن معدومة.
ومشكلة أنظمتنا العربية أنها لم تحسم أمرها بعد في تصنيف الكيان، هل هو في قائمة الأصدقاء أم الأعداء، بل الراجح الذي أصبح في حكم المؤكّد أنه صنّف صديقاً وحليفاً وإذا ما كان هناك خلاف فهو مع بعض أطرافه في وجهات نظر أو درجة التفاهم والصداقة وحول أمور إجرائية أو جزئية.
في هذا الاطار يتم التعامل مع وجبات الندب واللطم التي صدرت من هذه الجهة العربية أو تلك على أثر إعلان نتائج الانتخابات الاسرائيلية وما نجم عنها من فوز ما يسمى باليمين المتطرّف، وأن فرص السلام قد ولّت إلى غير رجعة وأن سياسات التهويد والتوطين والتهجير والمصادرة هي الأبرز في الفترة القادمة. إن هذه المقولات التي تصدر عن جهات فلسطينية أو عربية تستثير مشاعر الغثيان والاستهجان، أبَعد ما يقرب من ثمانية عقود من الاحتلال والاغتصاب والاختلاط والمعاشرة والتفاوض والاقتراب لا زال لدينا مسؤولون لا يعرفون حقيقة اليهود، أو أنهم يعرفونها ويتجاهلونها.
هل بين اليهود على مختلف اتجاهاتهم وتوجهاتهم، سواء كانوا يميناً أو يساراً أو وسطاً خلاف حول قضم فلسطين كلها وإخلائها من اهلها والتمدّد على حساب جيرانها، هل هناك من لديه بعض ثقة ببعض اليهود من حلول سلمية تضمن ولو جزءاً يسيراً من حقوقنا.
هل أجْدت المباحثات والصداقات والمفاوضات والتنازلات والتنسيق والتحالفات على مدى عشرات السنوات شيئاً مع اليهود أم أنها زادتهم إصراراً على مواقفهم وثباتاً على سياساتهم.
هل يعرف اليهود لغة للتفاهم معهم وانتزاع الحقوق من أيديهم غير اللغة التي يتعامل معهم بها أهل القطاع، وهي اللغة التي جلبت على أهل القطاع نقمة الأصدقاء قبل الأعداء.
هل هناك إنسان عربي ذو عقل ودين يؤمّل حلاً لمشكلة فلسطين غير القوّة بشتّى أشكالها وألوانها.
إن من يراهن على هذا المعسكر أو ذاك من اليهود بفرصة حل أو لحظة يقظة ضمير إنما هم أخطر من اليهود أنفسهم، وهُمُ مَن يجب تعريتهم وكشفهم وتطهير القضية من دنسهم. لقد أنجز اليهود من مشروعهم الاغتصابي والاستيطاني والتوسعي مراحل وخطوات كبيرة وخطيرة، وفّرها لهم تواطؤ حلفائهم من قادة العرب في غضون السنوات الماضية لم يكن يحلم بها أكثر اليهود تفاءلاً، ولم يحدث أن تآمر قوم على أقدس قضية لديهم في تاريخ الشعوب والأمم لا ماضياً ولا حاضراً تآمر البعض على هذه القضية.
إن من يتطوّع ليقدم لمغتصبِ داره وسارقِ بيته اعترافاً بأحقيته بالبيت وتنازلاً له عن ملكيته وتطوعاً لتوفير الأمن والسلامة له، والدخول معه في اعترافات وتحالفات واتفاقيات ومعاهدات في مختلف الأُطر وكافة المستويات، وبعد صفة المغتصِب والمحتل والمعتدي يمنحه صك غفران ويعدّه جاراً وحليفاً وصديقاً ومستشاراً ورفيقاً فقد نزع عن نفسه صفات الرجولة والشهامة والأمانة والإنسانيّة والمواطنة الحقّة.
لقد أشغلوهم بغيرهم واخترعوا لهم عدواً غير عدوهم، فمن يجرؤ اليوم بوصف الكيان الارهابي المغتصب بصفته الحقيقية أو قريباً منها، فهو يعلم علم اليقين بأن أقل أثمانها عرشه وكرسيه بل قد تكون حياته.
(السبيل 2015-03-25)