التشهير بواسطة التبليغات القضائية
تحفل صحفنا اليومية بالتبليغات القضائية بأنواعها المختلفة، إما عند تسجيل الدعوى أو بعد صدور الحكم وأيضا عند تنفيذ الأحكام، ودعوة المزاودين حين المباشرة ببيع ممتلكات المحكوم عليهم بهدف الحصول على أعلى سعر.
ويعتبر التبليغ من أهم مراحل التقاضي كما أنه من أهم عناصر المحاكمة العادلة، والفصل في المنازعات، فالتبلغ حق للمدعى عليه لتمكينه من تقديم دفوعه واعتراضاته. وفي بعض الأحيان تعاد المحاكمة كاملة بعد الحكم في القضية، في حال لم يتم تبليغ المدعى عليه أوراق الدعوى عند تسجيل القضية ضده حسب الأصول. وأيضا في حال عدم تبلغه بالحكم. ويترتب على ذلك جهدا إضافيا تتكبده كافة أطراف القضية، وأهمها المحاكم والدوائر الرسمية. بالإضافة إلى التكاليف المادية التي تتكبدها أيضا جميع أطراف القضية.
وفي حال تعذر وجود عنوان واضح يمكن تبليغ المدعى عليه أوراق الدعوى أو قرار الحكم بواسطة المحضرين الرسميين المعتمدين، فإنه يتم اللجوء للتبليغ بواسطة الصحف المحلية الورقية ويسمى ذلك في لغة القانون ( بالتبليغ بواسطة النشر )، آخذين بالاعتبار أن التبليغ بالنشر هو طريق استثنائي عندما يتعذر تبليغ ( المطلوب تبليغه ) بالوسائل الأخرى التي رسمها وحددها القانون.
وما يعنيني في هذا المقال هو فقط مناقشة هذه الحالة تحديدا وهي ( التبليغ بواسطة النشر )، وعيوب وبدائل هذه الوسيلة، فمن الواضح من التبليغ بواسطة النشر أن كثيرا من التبليغات إن لم يكن غالبيتها تتميز بالأمور التالية:
- عدم ملائمة حجم الإعلان مع الكلمات الموجودة به مما يؤدي لضغط الإعلان وتصغير الخط وبذلك يكون القارئ غير قادر على تمييز الحروف وبالتالي صرف النظر عن متابعة القراءة.
- عدم توحيد الإعلانات في صيغة واحدة مما يجعل القاريء يلتبس عليه اسم القاضي المبجل باسم طالب التبليغ مع اسم المطلوب تبليغه. فتارة يسبق اسم القاضي جميع الأسماء، وتارة أخرى يكون الترتيب على نسق آخر.
- إبراز اسم القاضي بالخط الأسود العريض بينما اسم المطلوب تبليغه بالخط الرفيع الأصغر وكأن المعني بتبليغه هو القاضي المبجل.
- تفرق هذه الإعلانات على صفحات الصحيفة المختلفة وعدم توحيدها في صفحة واحدة بالرغم من اختلاف اهتمامات قراء الصحيفة على مختلف المواضيع السياسية أو الرياضية أو المنوعة أو غيرها.
- ربما يلجأ بعض طالبي التبليغ لنشر الإعلانات في صحف غير مشهورة ولا تطبع إلا عددا محدودا من النسخ بسبب حصولهم على خصومات تغريهم بالإعلان في هذه الصحف حينا، وفي أكثر الأحيان رغبة منهم في عدم إطلاع أصحاب العلاقة على هذه التبليغات ( لغاية في نفس يعقوب )
ولأجل ذلك فإنه يجب دراسة هذا الموضوع وإصدار تعليمات صارمة يكون منها:
- توحيد حجم الإعلانات وحجم الخطوط المستخدمة فلا يكون الإعلان بخط صغير جدا يصعب قراءته ولا مضغوطا بحيث لا يمكن تمييز أسطره وفقراته.
- توحيد صيغة الإعلانات وإبراز اسم طالب التبليغ واسم المطلوب تبليغه ( بالخط الأسود العريض ) وليس فقط التركيز على إبراز اسم القاضي أو المحكمة.
- اشتراط النشر في صحيفتين مختلفتين أو أكثر لضمان إطلاع المطلوب تبليغه، تحقيقا للغاية المقصودة من التبليغ بالنشر.
- تجميع التبليغات في صفحة واحدة أو أكثر حسب عددها أو ضمن ملحق خاص مرفق بجميع الصحف.
- تحديد أيام محددة للنشر كأن تكون في يوم واحد أسبوعيا أو يومين.
- المسارعة بإيجاد موقع إلكتروني تنشر فيه هذه التبليغات كما هي في الوقت الحاضر مصنفة حسب الأيام أو حسب أسماء المطلوب تبليغهم مما يمكن كل شخص أن يدخل إلى الموقع الإلكتروني ويكتفي بالبحث عن اسمه إن كان موجودا أو لا يوجد، وهذه عملية لا تحتاج الكثير من الجهد والخبرة في البرمجة، ولا تكلف الكثير من المال. ويمكن حصر عملية البحث بالرقم الوطني فلا يطلع كل إنسان على تبليغات الآخرين. أو إخراج هذا الاقتراح إلى الواقع العملي بشكل آخر يؤدي نفس الغرض والغاية.
كل هذا ليس ببديل كاف للبحث عن طرق أفضل من التبليغ بواسطة النشر ( بالصحف الورقية ) لما تحتويه هذه الطريقة على قدر من التشهير بالمدعى عليه بالرغم من احتمال عدم أحقية المدعي بدعواه، أو لوجود تشابه بالأسماء في بعض الأحيان، أو حتى بتعمد استخدام هذه الوسيلة بقصد الإساءة للمدعى عليه بالإدعاء بعدم وجود عنوان معلوم وواضح له.
من المؤسف أن قانون المعاملات الإلكترونية يمنع حتى الآن استخدام الوسائل الإلكترونية للتبليغ، ولم يتم حتى الآن تنظيم إجراء للتبليغات القضائية بالوسائل الإلكترونية حتى الآن، كذلك الأمر بالنسبة للرسائل النصية الهاتفية بالرغم من أنه من النادر أن نجد مواطنا لا يملك أكثر من عنوان إلكتروني أو هاتف خلوي. من المؤسف أن يبدو أن القانون قاصر عن مواكبة الوسائل الإلكترونية وتنظيم هذه الوسيلة من التبليغ.
إن صدور تعليمات جديدة باعتماد التبليغ بواسطة إرسال رسائل إلكترونية على العنوان الذي يحدده المواطن عند الحصول على البطاقة الشخصية أو تسجيل رقم هاتفي باسمه، واستنادا لقواعد البيانات في الدوائر الرسمية والأحوال المدنية والضمان الاجتماعي ووزارة المالية والسوق المالي ووزارة الصناعة والتجارة ووزارة العمل ومختلف الدوائر الرسمية، ضروري جدا ويضمن تجنب الكثير من أخطاء التبليغ بالنشر. إنه من النادر أن يكون هناك شخص لا يتقاضى راتبا من الجهات والدوائر العامة أو الشركات الخاصة أو ليس مسجلا في وزارة الصناعة والتجارة كصاحب مصلحة أو شركة أو حتى مستثمرا في السوق المالي وهناك أسهم باسمه، وبالتالي اعتبار كتابته للنموذج لدى أي من هذه الجهات، إقرارا كافيا بعنوانه الإلكتروني أو رقم هاتفه الخلوي عند إجراءه هذه المعاملات، وباعتباره عنوانا مختارا له يقبل أن يتم تبليغه عليه.
وأقترح على وزارة العدل إنشاء موقع إلكتروني يمكن المواطنين من إدخال عناوينهم الإلكترونية وأرقام هواتفهم الشخصية مع ضمان الدقة في هذه الوسيلة بحيث لا يقوم بإدخال العنوان الإلكتروني أو رقم الهاتف للمواطن الذي لا يود أن يرى اسمه منشورا في الصحف، إلا صاحب الشأن.
ويمكن إنشاء دائرة في وزارة العدل تكون مهمتها التواصل مع جميع هذه الجهات وإنشاء قاعدة بيانات خاصة بها بحيث يكون المدعي أو من يمثله ملزما بمراجعة هذه الدائرة أو القسم للحصول على طرق الاتصال بواسطة المدعى عليه قبل الإدعاء بعدم وجود عنوان إلكتروني أو رقم هاتف خلوي له، تجنبا للجوء إلى النشر بواسطة الصحف الورقية. إنه لا شك بوجود الكثير من الخبراء في هذا المجال، الذين يمكن الاستعانة بهم بخصوص قواعد البيانات وتحويل هذه المقترحات وغيرها إلى واقع عملي قانوني.