منجز اقتصادي عربي

ما هو الاقتصاد إن لم يكن بعضا من تميز وإبداع، وقدرة على المنافسة وراء الحدود؟ وفي بلد لا نفط فيه ويعاني فقراً في المياه، يصبح مستوى التعليم وتجويده أكثر، أمرا ضروريا. ويحق لنا أن نردد على مسامع الغير قصة النجاح التي يرويها أطباؤنا وعلماؤنا الذين يسابقون الزمن من أجل معالجة مرضى السرطان بالخلايا الجذعية. وثمة ما يدعو للأمل عندما تجد شركة أردنية وقد حققت اختراقا نوعيا في السوقين الأوروبية والأميركية.
صحيح أن هناك "شركات" محلية بدت كفقاعات، فبددت الثروات، وتحولت إلى مأزق الإفلاس، في مقدمتها "شركات عقارية" كبرى، إلا أن هناك شركات أخرى في قطاعات إنتاجية حققت تنافسية كبيرة، وحافظت على حضور مقنع وتطور متدرج، بل ونمو حقيقي مبني بالأساس على أفكار وخطط واختراقات اقتصادية لا يقوى عليها إلا من كانت لديه خبرة اقتصادية وحصافة في فهم الأسواق والتمدد فيها.
بدأت كشركة دواء صغيرة في الأردن العام 1978، وتحولت بموجب عملياتها اليوم، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والولايات المتحدة وأوروبا، إلى واحدة من كبريات المجموعات الدوائية على مستوى العالم؛ تضم أكثر من 7 آلاف موظف وخبير، وتباع منتجاتها في 50 دولة.
وتمكنت مجموعة أدوية الحكمة، في الرابع والعشرين من آذار (مارس) الحالي، من الانضمام لمؤشر "فوتسي 100"؛ وهو مؤشر أداء أكبر مئة شركة، تمتلك رؤوس أموال ضخمة مدرجة في بورصة لندن. و"الحكمة" هي الأولى عربيا في هذا الاختراق الاقتصادي، وشكلت صادراتها العام الماضي 11 % من مجمل الصادرات الأردنية من الأدوية وغيرها من السلع والمنتجات.
هو منجز اقتصادي عربي، وليس أردنيا فقط. وعلى الاقتصادات في بلداننا العربية تشجيع مثل هذه الشركات التي تعد بحق خير سفير لنا في الخارج. كما يجب، في موازاة ذلك، تغليظ العصا القانونية ضد المتلاعبين بسمعة الاقتصاد والمقامرين بأموال الشعب وثرواته التي تبددت على يد من يجيدون لعبة "الاكتتابات"، ويهربون بعد "خراب مالطا".
لدينا قصة نجاح بحق في الصناعات الدوائية. ويفخر رئيس الاتحاد الأردني لمنتجي الأدوية، صلاح المواجدة، بالقول "الدواء الأردني خرج من عنق الزجاجة"، يقصد الأسواق التقليدية، وتمكن من الانطلاق بثبات إلى القارتين الأوروبية والأميركية، ليصل إلى نحو 66 دولة في مختلف أرجاء المعمورة. ومن باب تعظيم المنجز وتعزيز التخصص والريادة في الاقتصاد، فإنني أدعو إلى التركيز على هذا القطاع بشكل نوعي واستثنائي في السنوات المقبلة، حتى يتسنى للأردن ومؤسساته الاقتصادية الناشطة في مجال الصناعات الدوائية أن يتصدرا المراتب في المنطقة، وربما على مستوى عالمي. علما أن الشركات الرائدة في هذه الصناعة تمكنت في السنوات الأخيرة من الوصول إلى المناطق المنكوبة -وما أكثرها في عالمنا- لتقديم الدواء الجيد نوعية والمقبول سعرا.
الفخر بالاقتصاد ومؤسساته، لا يكون بالتشدق في الندوات أو بالخداع، وإنما بالجهد المضني، وشق الطرق الصعبة، والتنافسية، والمثابرة للحفاظ على السمعة داخل البلاد وخارجها، كما بالدعم الحقيقي من طرف الدولة أيضا، بوصفها الجهة المنظمة للنشاط الاقتصادي. وفي هذا الصدد، يحق لكل الأردنيين أن يفاخروا بمستوى صناعاتهم الدوائية، وما حققته من سمعة راقية لدولة شحيحة الموارد، لكنها كبيرة بعقول أبنائها وجهدهم الاستثنائي.
(الغد 2015-03-28)