"كساح" سياسي في انتخابات الجامعات

تدخل الجامعة الأردنية، فتواجهك مئات الصور للمرشحين لانتخابات اتحاد الطلبة. هذه الصور تبدأ من حجم (A4) المصقول والملون، وتنتهي بصور ضخمة تغطي واجهات الكليات والأقسام!
تراجع ما كُتب تحت هذه الصور، فتجد فقط اسم المرشح، وكلمتين لا تحملان أي مضمون. الأشجار تنوء بالصور، والحبال للصور تمتد عبر شوارع الجامعة، في منظر مفرح للوهلة الأولى. لكن بعد التدقيق، تكتشف أن هذه الحملات الانتخابية ليست سوى شيء بلا أي لون سياسي أو ثقافي، يعبر عن الطلبة الذين من المفترض أن تكون الحياة السياسية والثقافية الأنشط لديهم. لكن لا شيء من هذا نستطيع ذكره.
فالطلبة من المفترض أنهم قوة التغيير في المجتمعات، والخزان الطبيعي لسياسيي ومثقفي المستقبل، بغض النظر عن اتجاهاتهم؛ يمينية أم يسارية، مع السلطة أو مع المعارضة. وهذا "الكساح" السياسي يطرح بقوة أين ستتجه جموع هؤلاء الطلبة بعد التخرج وقبله، سياسياً وثقافياً، من هي القوى المجتمعية والثقافية والسياسية التي سوف تستوعبهم؟
المراجعة الدقيقة لحاصل الثلاثين عاما الماضية، تقول إن سيادة اللامبالاة والفكر الديني المتطرف، هما اللذان احتويا سيل قوة التغيير المفترضة من طلبة الجامعات. والشاهد على ذلك ترسخ الوعي الديني المتطرف، واجتذاب جماعاته للطلبة. والمقصود في ذلك ليس الشكل التنظيمي لهذه الجماعات المتطرفة، ولكن على مستوى الأفكار والسلوكات والتصرفات. هذا بالإضافة أيضاً إلى سيادة القيم العشائرية والمناطقية غير الإيجابية؛ بمعنى "أنا من العشيرة الفلانية" و"من المدينة الفلانية"! ما أدى إلى المظاهر التي نلمسها من عنف داخل أسوار الجامعات، وعنف خارجها.
تحييد الجامعات عن العمل السياسي، يؤدي إلى هذه النتائج (تطرف ديني، وصراعات عشائرية ومناطقية وإقليمية)، وعلى المدى القريب تمرد على المجتمع والدولة ذاتها.
التخوفات من سيطرة الإسلاميين، وتحديداً حركة الإخوان المسلمين، على الجامعات، ليست حقيقية، بل هي وهم زرعه بعض المتنفذين وصدقوه. فالحركة لها أنصارها والمنتظمون فيها داخل الجامعات، وليسوا بحاجة لإذن بفتح الجامعات للحركات والأفكار السياسية الأخرى؛ بمعنى أن الخاسر الوحيد في هذه الأجواء المغلقة في الجامعات، هم الطلبة والدولة والأفكار التقدمية.
يبقى السؤال الأكثر حيرة: من أين لهولاء المرشحين من الطلبة هذه النقود لتمويل حملاتهم؟ فقد سمعت أنها تصل إلى بضعة آلاف من الدنانير للطالب الواحد. ومن حجم الصور وكثافتها، أعتقد أن الرقم صحيح. فهل أصبحنا، فجأة وبالصدفة، أغنياء لهدر هذا المال على الخواء السياسي الذي نشاهده في الجامعات وخارجها؟ عندما كُنا طلاباً نشترك في الانتخابات الطلابية، لم تكن هناك صور بحجم الجدران؛ كانت هناك بيانات نصدرها لحشد الطلبة للأفكار التي نحملها أولاً، وللتصويت ثانياً، وكنا فقراء بالمعنى الحقيقي للكلمة.
كنا نجوب بين أروقة الكليات لنجمع خمسة أو عشرة قروش، من الفقراء أمثالنا من الطلبة، وهم الأغلبية، لطباعة البيانات للمرشحين في القوائم التي نتفق عليها. لكن المشهد الآن مختلف ومتخلف.
(الغد 2015-04-01)