الآثار العلمية والعملية لقرار المجامع بتحريم التورق المنظم

1. انتهيت في تحرير محل النزاع في التورق المنظم إلى أن الوكالة الملزمة مظنة الصورية وانتفاء القبض الشرعي، وهذه علة التحريم في قرار المجمعين بعد التمحيص، أما الوكالة الملزمة لذاتها فليس مؤثرة في التحريم إذا تحقق القبض الشرعي. غير أن العلة لم تكن واضحة في قرار المجمعين وهذا ما أشكل على المهتمين، فضلا عن البنوك.
2. لقد تعقب الشيخ عبدالله بن منيع عضو الهيئات الشرعية في المملكة العربية السعودية قرار المجمع بمقال عنوانه (أثر القصد في حكم التصرف)، واستنكر فيه قرار المجمع بالتحريم لمجرد أن التورق يتضمن نية الحصول على النقد وعدم استخدام السلعة، وعد ذلك من وسوسة الفقهاء وأكد أن جمهور الفقهاء لا يرون هذا مسوغًا للتحريم وطالب المجمع بالرجوع عن القرار. وقال: (أرى أن المجمع قد اختلط عليه الليل بالنهار والحلال بالحرام وأتى بما لا يُطاع فيه بتحريم ما اتفق على إباحته جمهور أهل العلم. فهل نطمع من المجمع أن يعيد النظر فيما قرره فالحق أحق أن يتبع).
3. ثم بعد مضي أيام قليلة حصل اتصال بينه وبين أمانة المجمع فاعتذر للمجمع وأكد أنه مع قرار المجمع ما دام المقصود بالتحريم هو صورية المعاملة وقال: (وأضم صوتي مع صوت المجمعين في إنكار التورق المصرفي المنظم وأنه في واقعه لا يخرج عن معاملة ربوية مستورة باسم التورق تضليلا وتغريرا، حيث إن التورق المصرفي حقيقة أن يحضر مريد النقد إلى البنك ويبدي له رغبته في مبلغ النقد الذي يريده ثم يقدم له موظف البنك مجموعة أوراق ليوقعها ثم يعده بأن المبلغ الذي يريده سيكون مودعا في حسابه غدا). وهذا تأكيد بأن علة المنع هي الصورية، وليست الوكالة الملزمة لذاتها كما قررت في هذه السلسلة من المقالات.
4. لم تهتم البنوك السعودية بصفة عامة بالقرار الصادر عن المجمع فضلا عن البنوك في البحرين والإمارات، واستمر العمل بالتورق –في الجملة- في السلع الدولية للأفراد والشركات وبين المؤسسات على حاله دون أي تعديل للتوافق مع قرار المجمع، بل إن مجموعة مشايخ الهيئات الشرعية منهم الشيخ نظام اليعقوبي في البحرين، والشيخ عبدالله المطلق في السعودية قد تصدروا حملة مضادة لقرار المجمع، واختلط الحابل بالنابل فعلاً فلم يعرف محل النزاع ولا علة المنع الذي ذهب إليه المجمع خلافًا للجواز الذي ذهبت إليه الأيوفي وتناقل المهتمون الخلاف دون معرفة محله وعلته.
5. اهتم بيت التمويل الكويتي بالتوافق مع قرار المجمع شكليًا فيما يتعلق بالسلع الدولية في شق الوكالة الملزمة للبائع نفسه(وهو هنا بيت التمويل)، فجعل فرصة للعميل بأن يقوم بتوكيل شركة الوساطة التي تحتفظ بالمستندات الخاصة بالسلع الدولية، وقد قررنا بأن هذا الأمر لا اعتبار له إذا كانت المعاملة صورية ولا يتحقق فيها القبض الشرعي بأي صورة. وهذا دليل على أن التطبيقات تخالف رؤية المجمع بشأن الصورية، ولا توافق المجمع فيما ذهب إليه من أن المعاملات الخاصة بالتورق صورية ولا يتحقق فيها القبض.
6. إن المتتبع للنقاش في هذه المسألة يرى أن خللًا منهجيًا قد يكون حدث في مناقشة مجمع الفقه الإسلامي لقرار التورق المنظم، وهو أن بعض القائلين بالمنع من التورق الفردي وهم المتابعون لقول ابن تيمية وابن القيم؛ قد تم إشراكهم في صياغة قرار المنع من التورق المنظم، وهذا لا يستقيم؛ لأن من قال بمنع الفردي يقول بمنع المنظم من باب أولى، وكان الواجب أن تقتصر لجنة الصياغة على القائلين بجواز التورق الفردي، حتى يبذلوا الجهد في تحرير علة المنع من التورق المنظم بالمقارنة بجواز التورق الفردي.
7. الأصل هو الانسجام بين الحكم الشرعي، والتحليل الاقتصادي للعملية، فيمنع الفعل شرعًا إذا ثبت ضرره اقتصادياً، إعمالاً لمقاصد الشريعة ورفع الضرر. والآثار الاقتصادية للتورق الفردي والتورق المنظم المقبول فقهًا، تتوقف على ما تؤول إليه العملية في الواقع، وسيتابع المقال القادم هذه الآثار ومدى اعتبارها في الحكم الشرعي للتورق.