أول الغيث قطرة
ما أن بدأت الحملة العسكرية العربية ( عاصفة حزم ) المباركة على معاقل الحوثيين وأنصارهم في اليمن ، تناقلت وسائل الإعلام وجهات النظر الدولية بين مؤيدٍ ومعارض ، ولا شك أن وجهات النظر هذه تعكس مواقف تلك الدول ، فالمعارضون يدعون أن من شأن هذه الحملة إثارة الفتنة بين المسلمين وبالأخص بين الشيعة والسنة ، وكأن الفتنة تغط في سباتٍ عميق أو أنها موؤدة فأحيها العرب السنة عندما أرادوا صون كيانهم وحفظ كرامتهم ، هذه الأصوات الناعقة تريد منا الخنوع والتسليم للأمر الواقع الذي يستشعره كل عروبي أصيل ، ألا يكفينا شيطنة العراق ونزف سوريا وتغيير أيدلوجيتهما وما تبعها من ممارسات وتصريحات إيرانيه بعد سقوط اليمن بيد الحوثيين واعظاً ودليلاً على المخطط التوسعي الإيراني ، فماذا إذاً يعني انتشار المليشيات الإيرانية في العراق وسوريا ؟ وبماذا نفسر الجسر الجوي بين طهران وصنعاء ؟ وإلى متى يريدوننا كالخُشب المُسندة إزاء الممارسات الصفوية ؟ أنبقى كمن أخذ جرعة مخدر يرى ويسمع ولا يَعي ؟ وهناك فريق ثالث أراد دق إسفين الفرقة بين العرب : فقالوا لماذا اليمن قبل العراق وسوريا ؟ ولمزوا بتأويلهم بأن هذه الحملة جيَشتها السعودية لحماية حدودها الجنوبية مع اليمن لمنع التمدد الشيعي باتجاه الأراضي السعودية ، والحقيقة أن التمدد الشيعي في المناطق الشرقية للسعودية اكبر خطراً منه في المناطق الجنوبية لسببان مهمان : أولهما التواجد الشيعي المركز في جنوب السعودية وثانيهما قرب إيران من الحدود السعودية العراقية التي باتت مسرحاً للشيطنة الإيرانية . وأما من وجهة نظري كمؤيد لهذه الصحوة التي قد تكون تأخرت بعض الشيء وما تمخض عنها من حملة عسكرية تشارك فيها لحد الآن عشرة دول وتبعها مؤتمر قمة ربما يكونان القطرة الأولى التي تبشر بالغيث ، وما أتمناه أن ننجح في الاختبار الأول الذي بدأ باليمن وأن لا نتفرق مره أخرى وتذهب ريحنا إلى غير رجعة ، فالأمة ألان تحت اختبار صعب ، فعليها أن توفق بين مصالحها العليا وبين علاقاتها الخارجية ، وعليها أن تنبذ خلافاتها الشكلية أمام المخاطر الحقيقية المحدقة بوجودها ، فاجتماع الأمة يعزز مكانتها بين الدول ويستعيد لها هيبتها ويحقق مصالحها كما تريد وليس كما يريد القاصي والداني الذي نهب خيرات الأمة تحت عنوان الصداقة والتعاون المشترك وغيرها من المسميات المزيفة التي تطرب لها الأذن ويندى لها الجبين ، كلهم من غير العرب ادعوا صداقتنا وكانوا لغيرنا الأحبة والخلان ، الخطر الذي يتربص بالأمة الممثل بالصهيوإيراني لم يعد تهديد اقتصادي أو ثقافي فحسب أنما أصبح مسألة بقاء ووجود ( تكون أو لا تكون ) ، فما قيمة أن تعيش مسلوب الإرادة والحرية أو تقتل على الهوية ، أو تسبى النساء وتنتهك الأعراض أمام ناظريك ولا تملك إلا العويل والنحيب ، ألم يحدث ذلك في العراق وسوريا ، ألم تكن هذه الممارسات ممنهجه كنوع من الحرب النفسية يمارسها ذات الشيطان للنيل من أهل السنة ، فلماذا ننتظر ؟ أننتظر إلى أن نسمع المنادي ينادي (اُنج سعد فقد هلك سعيد ) ، فالدعوة إلى صهر ما يحدث في اليمن وسوريا والعراق في بوتقة واحدة تعبر عن رؤية ناضجة تدل على عمق استدراك الخطر وضرورة التعامل معه كوحدة واحدة غير قابلة للتجزئة وإلا تفرقنا وذهب كلٌ إلى غايته التي سيعجز عن إدراكها منفرداً ، وفي هذا التفرق الهلاك مصداقاُ لقول رسولنا الكريم : عليكم بالجماعة فإن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية ، فالأمة أحوج ما تكون في وقتنا الحاضر إلى اللُحمة ورص الصفوف والوقوف على قلب رجل واحد وهي مهيأة لذلك وتواقة إليه ، وكما قال الإمام الشافعي :
إذا هَبَّتْ رياحُكَ فاغتنمْها فعُقْبى كــــــــــــــــــــــلِّ خافقةٍ سكونُ
وإِن دَرَّتْ نياقُكَ فاحتلبها فمــا تدري الفَصيلُ لمن يكونُ
ولا تغفلْ عن الإحسانِ فيها فما تدري السكونُ متى يكونُ