اتفاق رابح -رابح

تم نشره السبت 04 نيسان / أبريل 2015 02:29 صباحاً
اتفاق رابح -رابح
عريب الرنتاوي

حين تحتفل واشنطن وطهران باتفاق الإطار، فمعنى ذلك أن كل فريق حصل على الحد الأدنى مما يريد، وأن المعادلة التي حكمت الاتفاق هي “معادلة رابح– رابح”، وليس “المعادلة الصفرية” كما قال الوزير محمد جواد ظريف ... نتيجة كهذه تسجل بحروف نافرة في تاريخ الدبلوماسية الإيرانية، وتضاف إلى رصيد المفاوض الإيراني، الذي تمكن خلال 18 شهراً متواصلة، من مقارعة القوى الكبرى، بكل عزم وتصميم وثبات وطول نفس، معظماً منجزاته في الصفقة قيد التشكل... لهذه الدبلوماسية وهذا الأداء الصلب، تُرفع القبعات، لا سيما من قبل مراقبين مثلنا، “تتطبعوا” على مدى نصف قرن، مع أداء دبلوماسي وتفاوضي عربي متهافت، بدءاً بصفقات السلاح وانتهاء بقضايا السيادة والأوطان.
من تتبع التغطيات الكثيفة طوال ليلة التوقيع على اتفاق لوزان، وردود الأفعال الأولية عليه، لا شك لاحظ حجم “التهافت” و”الابتذال” اللذان قارفهما الإعلام العربي في شرح الموقف، وبدا أن أحداً ليس معنياً حتى بقراءة “المعايير التفصيلية” التي جرى الإعلان عنها، أو قرأها على قاعدة “ولا تقربوا الصلاة...”.
على الضفة المعادية لإيران، وجدنا من يقول إن “نظام الملالي” أذعن ورفع الراية البيضاء، رادّاً السبب إلى عاصفة الحزم التي “أنهكت” الدور الإقليمي لطهران وأفقدتها توازنها ... إلى مردد كالببغاء لنظرية المؤامرة السقيمة، التي تتحدث عن مسرحية إيرانية – أمريكية معدّة سلفاً، كانت بحاجة لحبكة وإخراج وكومبارس وجمهور، لا أكثر ولا أقل.
وعلى ضفة “المقاومة والممانعة”، بدا كما لو أن عواصم العالم الكبرى، قد جثت على ركبها، طالبة الصفح والغفران، معلنة الخنوع والإذعان ... لم يشغل متحدثون من هذا المعسكر أنفسهم باستعراض بنود الاتفاق ولا بقراءة مغزى التنازلات الإيرانية في ملفات ومواضيع عديدة... إيران منتصرة دائماً، وانتصاراتها من النوع الاستراتيجي أو الـ “Game Changer”.
إدارة أوباما، على لسان الرئيس ووزير خارجيته، قدمت مرافعة بالغة الأهمية حول مضمون هذا الاتفاق، ما له وما عليه، ما الذي يحققه للمجتمع الدولي وما الذي يحفظه لإيران من حقوق ومزايا ... ظريف نفسه، قدم مطالعة بالغة الأهمية دفاعاً عن الاتفاق، عارضاً لمختلف جوانبه، ومبشراً بعصر جديد من التعاون ... كل فريق كان يخاطب جبهات واسعة من الخصوم والمتربصين في “الداخل” و”الإقليم” وعلى الساحة الدولية، ولهذا كان من الطبيعي أن يبدأ بتعداد منجزاته، قبل أن يمر بما توفر عليه الاتفاق من مكتسبات للطرف الآخر.
أهم إنجازين حققتهما إيران في هذا الاتفاق هما: (1) انتزاع الإقرار برفع العقوبات الجوهرية المضروبة عليها، سواء من قبل مجلس الأمن أو من الدول والتكتلات الدولية ضمن آلية شفافة ومختصرة ... (2) انتزاع حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، واحتفاظها بالبنية التحتية لبرنامجها، حتى وإن تغيرت استخدامات بعض المنشآت والمواقع الحساسة، أو تباطأت وتيرة الإنتاج والتخصيب... إيران تعود للاندماج في المجتمع الدولي، ومرحلة العمل لإعادة استنهاض الاقتصاد الإيراني، ستبدأ قبل الانتهاء من كتابة نص الاتفاق النهائي.
أما أهم إنجازين حققتهما واشنطن فهما: (1) الوصول إلى آليه شفافة ومحكمة للرقابة والمتابعة والتفيش، طويلة الأمد وشاملة، وغير مسبوقة في رامج التفتيش الدولي كما قال أوباما ... (2) إبعاد إيران لمسافة عام كامل عن انتاج القنبلة، بدل شهرين أو ثلاثة أشهر كما هو الوضع حالياً ... أوباما أوفى بوعده، انسحب أو هو في طريقه للانسحاب من حربين أشعلهما أسلافه، ولم يدخل في حرب ثالثة ضد إيران، وبات بمقدور إدارته أن تضفي نوعاً من التوازن على علاقاتها مع القوى الإقليمية الفاعلة في المنطقة ... وثمة عشرات التفاصيل التي يستطيع كل فريق أن يحشدها للتأكد من سلامة مكتسباته بموجب الاتفاق.
خلال الأشهر الثلاثة القادمة، ستحتدم المعارك حول الاتفاق النهائي ... معارضو الاتفاق لم يلقوا أسلحتهم بعد، وفشلهم في قطع الطريق على اتفاق الإطار، سيشحذ هممهم من أجل الظفر بمعركة الاتفاق النهائي في نهاية حزيران القادم، بدءا من الكونغرس مروراً بنتنياهو وليس انتهاء بالسعودية وبعض حلفائها.
لكن يبدو أن قطار الاتفاق النهائي قد غادر محطة لوزان، وهيهات أن يتوقف بعد أن باتت الدول الست الكبرى، ملزمة بالدفاع عن تواقيعها واحترام تعهداتها ... المعركة ستكون ضارية بلا شك، وشياطين الأرض تقبع في التفاصيل، ولكن ضغوط المصالح وقوة الإرادة السياسية التي تكشف عنها الرئيسان أوباما وروحاني، تدفع للاعتقاد بأننا بانتظار نهايات سعيدة.
وأحسب أن عشرات الشركات العملاقة قد بدأت فعلياً تحضير عروضها للعمل والاستثمار والاتجار مع إيران ... أول الغيث جاء من موسكو التي عرضت على طهران صفقة لأحدث أنظمة الدفاع الجوي، وهي التي طالما ترددت في بيعها منظومة “إس 300” الأقل تطوراً.
أما الملفات الإقليمية المفتوحة في المنطقة، فهي ستنتظر “استراحة المحارب” الذي أعيته المفاوضات الشاقة والمريرة، ولكنها لن تنتظر طويلاً على ما يبدو، فليس لدى “المتورطين” فيها، ترف الانتظار، وربما لم تعد لديهم الطاقة لتحمل المزيد من الاستنزاف.

(الدستور 2015-04-04)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات