إرهاب النفس وإغتيال الشخصية في المدارس .. الحاضن الرئيس للعنف والتطرف
يعتقد غالبيتنا بأن الإرهاب هو كل عمل مادي يُفضي إلى نتائج جرمية قد تكون جناية أو جنحة بحق دولة ما أو مؤسسة من مؤسساتها أو شخص ما أو مجموعة من الأشخاص، والحقيقة بإعتقادي أنه لم يُتفق على تعريف مانع جامع للإرهاب ، فهناك عدة تعاريف وأشكال للإرهاب ومن أهم أشكال الإرهاب إرهاب النفس وإغتيال الشخصية أو ما يُسمى بالإرهاب المعنوي ، وبخاصة في المدارس لما له من مألات خطيرة مستقبلية على الفرد والمجتمع ، فكثير منا يتساءل عن بداية الإرهاب ! كيف ومتى بدأ ؟ على الرغم من أننا جميعا نكاد نتفق على بدايته فهناك مؤشرات واضحة قد تكون هي الحاضن والمؤثر لنشوءه ، وهي البيت والمدرسة والجامعة والمسجد ومؤسسات المجتمع المدني ... كيف ذلك ؟ عندما تغيب لغة الحوار ... ويسود الإستبداد بالرأي والخطاب ، وعدم أخذ كل ذي حق حقه ... فيبدأ الإحتقان والإحباط والغضب ، هنا يتم زرع البذرة ثم تنمو العدوانية في النفس البشرية سواء أكانت بقصد منا أو بدون قصد فقد تكونت الحاضنة لا محالة .
إن الإرهاب النفسي وإغتيال الشخصية من أخطر أنواع الإرهاب ، فالشعور بالظلم والغبن يجعل الطالب أو الطالبة يعيش في صراع مع نفسه كالبحر تتلاطمة الأمواج من كل مكان فلا يتقبل الإهانة والشتم والذم والقدح من قبل المعلم أو المعلمة للأسف حيث أصبح هذا هو أسلوب التعامل مع الطلبة بشكل عام ، فيتولد شعور لدى الطلبة وكأنهم في حديقة للحيوانات لكثرة ما يسمعون من كلام بعضه خادش للحياء والبعض الأخر مناداتهم بأسماء الحيوانات وصفاتها من قبل بعض المعلمين للأسف الشديد !!! فأين التربية ؟ ثم التعليم !! كيف نريد لهؤلاء الطلبة السمع والطاعة ونحن نعاملهم بأقسى وأقذع الكلمات !!! أين نحن من ديننا الحنيف (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) لماذا غابت لغة الحوار ؟ لماذا لم يعد لدينا الوقت الكافي للإستماع وتذليل الصعاب أمام الطلبة ؟ لماذا لغة التهديد والوعيد صبحا ومساء ؟ هل يعي المعلم أو المعلمة أننا بتجاهل أبسط الأمور نعطي المبررات الكافية للطالب ليمارس العنف لرد الإعتبار لنفسه لما وقع عليه من إهانات أمام زملائه الذين سمعوا وشاهدوا ما حدث لزميلهم !!!
هل يعي المعلم بأنه ليس حرا من يُهان أمامه إنسان ولا يشعر بإهانته !!! هل يعي بأنه أصبح هناك تعاطفا مع الطالب المُهان !!! فتبدأ مرحلة التخطيط والتدبير وتسهيل المهمات لرد الإعتبار ليس للطالب فحسب بل للصف كله وأحيانا للمدرسة بأكملها وقد تمتد في معظم الأحيان للشارع ثم المجتمع فتضيع بوصلة الأمن والأمان التي ننعم بها !! ثم نقوم بالإعتصامات والهتافات ونريد حماية لنا من تمرد الطلبة !! أليس الأولى معالجة الأمر قبل وقوعة ومراجعة أنفسنا وطرق تعاملنا مع أكباد فلذاتنا !!! إنهم ليسوا أعدائنا لنتغول عليهم ونتلفظ عليهم بألفاظ غاية في القسوة والتحقير !!! من منا تخلى عن 5 دقائق من حصته وأيقض ما دفن من قيم وأخلاق وتعاليم وموروثات إندثرت بفعل مؤثرات دخيلة على مجتمعنا وسوء استخدام لتكنلوجيا دمرتنا !
كثير منا يجهل بأن الحرب النفسية هي شكل من أشكال الإرهاب ، وبخاصة تلك التي تمارس في المدارس ، وأن البيئة العُنفية قد نضجت أمام الطالب ومؤازريه ... ولكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه ! لماذا ينتهج بعض المعلمين أو المعلمات أساليب إثارة غضب الطلاب والنظر إليهم نظرة إستعلاء وفوقية وأنهم لا شيء ، بل وينعتونهم بألقاب بائسة جارحة مؤذية نفسيا فالكلمة أشد وقعا من السلاح ، ألا يعلمون بأسلوبهم هذا قد أوجدوا الدوافع الحقيقية للعنف العدواني لدى الطلبة !! إذا لماذا يتلذذ بعض المعلمين والمعلمات في إستثارة الطالب بإستخدام الأنا الكبرى ؟ أي بمعنى آخر ( أنا بفهم وأنت أيها الطالب لا !!! ) هل وعينا أننا بتصرفنا هذا قد غذينا العنف لدى الطالب وأيقظنا حاسة الإستشعار لديه إضافة لما يعانية مجتمع الطالب أصلا من منبهات ومثيرات مثل الفقر والتسلط والبطالة والكبت ، وهذه المنبهات والمثيرات تولد إستجابة عنيفة وقوية لدى الطالب فتؤدي إلى نشوء ظاهرة العنف والسلوك العدواني أو الإنحراف والإنضمام للجماعات المتطرفة والتي تنتظر ضحيتها من هذه العينة ، حيث أنها بنظرهم جاهزة وعلى استعداد تام لتنفيذ ما يطلب منها ، فقد وصل الطالب المهزوم داخليا إلى مرحلة ألا عودة عن الإنتقام أو القيام بأي عمل يظن أنه قد يرد له إعتباره إزاء ما تعرض له من كبت وإهانه وحرمان وأخذ حقه وتفضيل الآخر عليه بسبب الواسطة والمحسوبية !!! هل أدركنا المدى الذي قد تصل إليه الحرب النفسية التي تمارس على الطلبة ؟ إن المدى خطير وخطير جدا يتجاوز البعد الشخصي فيمتد ليشمل كافة أرجاء المجتمع وقد يصل الحال إقليميا أو دوليا لا قدر الله !!! وعليه فإن أسلوب التعليم الجيد والمتطور والذي يواكب تطورات العصر ، يعمل على تغيير مفاهيم الثقافات والعقليات السيئة والتي لا تصب في مصلحة الجميع ، فعلى إخواننا المعليمن والمعلمات إلغاء عملية الحشو والتلقين والحفظ غير المبرر !! عليهم إعمال منهج الإجتهاد والنقد والحوار ، وإلا فإننا سنواجه مناخا زاخرا بالإنفجارات النفسية والشرسة لولادة الجماعات الإرهابية وتغذيتها ، وما يحدث بالجوار الملتهب من كل صوب إلا خير دليل على ما يتعرض له المراهقين والشباب من عمليات إرهاب نفسية وإغتيالات للشخصية فيرون رد الإعتبار لهم بإنتمائهم للجماعات الإرهابية أسهل وأيسر الطرق لتحقيق مطلبهم !!! فالحذر كل الحذر أخي المعلم وأختي المعلمة من توفير المناخات الحاضنة لأعمال العنف والتطرف والإنتماء للجماعات الإرهابية .
كثير من الدراسات والتحليلات أثبتت بأن الأفراد الذين أصبحوا إرهابيين أو نفذوا عمليات إنتحارية هم في الغالب الأعم من الفئات العمرية التي تتراوح مابين ( 15 – 22 سنه ) أي أنها مرحلة المراهقة والبلوغ ثم الرشد ، وبمعنى آخر هي المرحلة التي يكون فيها الشخص على مقاعد الدراسة مما يعيدنا للمربع الأول وهو المدرسة ، بحيث تكون المدرسة هي المثير والمنبه لدوافع الإرهاب ، حيث سرعان ما يجد المراهق نفسة نتيجة ما تعرض له من إحتقانات وكبت وضغوط وإهانه وعدم أخذه حقه في العلامات والتصيد له وتفضيل الآخر عليه مع أنه صاحب حق أحيانا فتؤجج مشاعره ويُفضي ذلك إلى العنف والسلوك العدائي تجاه المعلم أو المدرسة أو المجتمع أو إلتحاقه بالجماعات الإرهابية التي يجد ضالته فيها ليرد الإعتبار لنفسه.
لنتقي الله في أنفسنا وأبنائنا وطلابنا ومجتمعنا ونجعل لغة الحوار والإستماع الجيد هي اللغة السائدة في مدارسنا ونتعالى عن لغة ونهج الأنا التي هي بمثابة قنبلة موقوته قد تنفجر في أي لحظة لا قدر الله .