توجيهات الملك و توجهات الحكومة وقانون اللامركزية
في صفحات و هوامش الحكم الرشيد تكون القوانين و مشاريع القوانين والأنظمة والتعليمات الشفوية والمكتوبة والتوجيهات كلها جسوراً إضافية لتوسيع قاعدة العدالة الاجتماعية ، و تديم البناء بأعمدة إضافية تضفي مزيداً من الجمال والهيبة على الحكم و الحكومة ، وماوعيناه وقرأناه في السطور وبينها من بين ما قرأناه أن الملك يسعى باستمرار وبخطى حثيثة واسعة مركزاً على موضوعين اثنين لا ثالث لهما ، الشفافية في الأداء الحكومي وبناء جسور الثقة مع المواطنين وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في الإدارة والحكم و ثانيهما التركيز على الاقتصاد والمشاريع الاستثمارية وجلب رؤوس الأموال كي يعلو البناء الوطني ونصل إلى الدولة المدنية الحديثة القوية إقتصادياً والتي يشعر المواطن فيها أنه في قمة الولاء والإنتماء الوطني البعيد كل البعد عن الرياء والنفاق والكذب.
بعد هذه المقدمة التي وجدتها لازمة للتأسيس لما أريد أن أتحدث فيه أضع علامات إستفهام و تعجب كبيرة على مشروع قانون اللامركزية الذي قدمته الحكومة لمجلس النواب لإقراره، وحينما نتصفح مشروع القانون نجد لزاماً علينا العودة وقراءته من جديد حتى نتأكد أنه مشروع قانون للامركزية ، فالقاريء المتمعن في نصوص المشروع يدرك فوراً و دون كثير عناء أن مشروع القانون هو مشروع لتكريس المركزية بل و لجعل الأطراف أكثر تعلقا بالمركز وإنجذابا إليه و يضع كل الصلاحيات الهامة في يد من بأيديهم الصلاحيات قبل إقرارمشروع القانون ، ولا بد أن نؤكد أنه في حال إقرار مسودة مشروع القانون الحالية فإننا سندخل في متاهة جديدة لا تقل عن متاهات مشاريع قوانين الإنتخابات التي أقرت ثم عُدلت ثم أقرت ثم تغيرت وهاهي اليوم معروضة للتغيير من جديد و كأن هناك من يرغب في إشغال مجلس الأمة في مشاريع قوانين فصلية أو موسمية تتغير باستمرار وغير قابلة للحياة.
إن الفرق بين توجيهات الملك و توجهات الحكومة واسع جداً وواضح جداً ولا يمكن أن نفهم ماذا تريد الحكومة من وراء تقديم مشروع القانون المذكور إلى مجلس النواب لدراسته وإقراره و هل تسعى إلى إفشاله من البداية أم أن لها مآرب أخرى في الموضوع ، إن قانون اللامركزية يجب أن يكون واضح الأهداف والمعالم ، و يجب بالضرورة أن يركز على توزيع الصلاحيات المركزية المربوطة حصرياً بعمان العاصمة وبالحكومة المركزية بالدوارالرابع على المحافظات حتى تتمكن المحافظات من إدارة نفسها بنفسها و أن نُحدث روح التنافس بين محافظات الوطن حتى نتمكن من إحداث نقلة نوعية تنتقل بدورها بالوطن في كل مجالات الإدارة والاقتصاد والاجتماع والفكر والثقافة إلى مركز متقدم جديد و تخفف من الأعباء عن الحكومة ورئيسها كي تتفرغ لأعباء المسؤولية في مجالات السياسة الخارجية و الأمن الاقتصادي والغذائي والمائي الوطني ، ولمتابعة الملفات التي يفتحها الملك ولا تجد من يتابعها أو يعتني بإيجاد الأدوات الضرورية للاستفادة منها.
لا أريد أن أدخل في التفاصيل الفنية الدقيقة لمشروع القانون وفي متناقضاته و أنا على استعداد للتفصيل في ذلك في أي مكان و مع أي مرجعية شعبية أو رسمية أو إعلامية و لكنني أحببت أن الفت النظر إلى أن مشروع القانون مليء بالمثالب والتناقضات و أن من الأفضل و قبل أن يرده مجلس النواب أن تسحبه الحكومة نفسها وتعيد صياغته بطريقة أقرب إلى المنطق واقرب إلى طموحات الناس و توجيهات جلالة الملك