متى نتقن الضحك والبكاء؟
![متى نتقن الضحك والبكاء؟ متى نتقن الضحك والبكاء؟](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/37224.jpg)
المدينة نيوز- قرأت عن جمعية في احدى الدول الأوروبية يجتمع أعضاؤها فقط من أجل ممارسة الضحك، حيث يبدأ أحدهم في الضحك المتعمد ثم سرعان ما تنتقل العدوى إلى الآخرين الواحد تلو الآخر، وبعدها ينفرط عقد الصرامة عن المجموعة ليضحكوا معا في النهاية من أعماق قلوبهم وبشكل طقس " تحشيشي "، وطبعا يدرك هؤلاء ما للضحك من أهمية كبرى في حياة الانسان من الناحية الجسدية والنفسية، ومدى المساعدة في ازالة التوتر اليومي والهموم وتبديد الطاقات السلبية التي تحتبس في اعماق الانسان مسببة له الكثير من الأمراض .
من المؤلم حقا أننا ورثنا الكثير من العادات الخاطئة بدعوى الرزانة والاحترام، فالضحك عندنا في الأردن مثلا يعدّ " قلة هيبة " وفي حالة تورط بعض العائلات بالضحك الجماعي لثواني معدودة فإنّ الجملة الشهيرة تتبع هذه الحالة لتبدد حلاوتها وهي " يكفينا شر هالضحك " وأيضا التشاؤم بأن هذا الضحك ربما يجلب الفأل السيء، وعادة ما يتم نهر الفتيات اليافعات في القرى تحديدا في حالة الضحك مع قريناتهن بدعوى الكف عن " الصهونة " ولا أدري إلى اليوم من أين جيء بهذا التعبير أو معناه، ولكن كان يقصد به " قلة الحياء " ..!
الأمر ينطبق أيضا على التعبير عن الحزن فالبكاء ايضا للرجال يعد عيبا وينتقص من الرجولة الصارمة، فالرجل لا يبكي، وغالبا ما يتم قمعه في حال بكائه لوفاة أحد المقربين له، وهذا ربما الهامش الوحيد للبكاء عندنا ولوقت محدود وغالبا ما يكون بالسر ايضا، أما البكاء لفراق الحبيبة أو لوداع صديق أو لألم ما يعانيه الرجل فتلك مصيبة كبرى توصم الرجل بأنه "يبكي مثل النسوان "..!
وبالطبع فإن هذا الكبت للمشاعر وتدفقها الطبيعي يقود إلى أن الكثير منا لا يتقن فن الضحك و البكاء، فغالبا ما تخرج الضحكة عرجاء وتكاد تشق وجه صاحبها لصعوبة تحريك العضلات المسؤولة عن الضحك وأيضا في حالة البكاء، فيبدو ضحك الكثيرين منا كالبكاء ويبدو بكاءنا مضحكا..!
المصريون من الشعوب العربية التي تشذ عن هذا الوصف ولا سيما في التعبير عن الفرح والضحك النابع من القلب، ورغم سوء الظروف الحياتية ونسبة الفقر العالية إلا أنهم صغارا وكبارا يتميزون بقدرتهم على تبديد أحزانهم بالنكتة الحاضرة بالبديهة والسخرية المضحكة والمرح، وربما يعود الأمر إلى الجذور الفرعونية الحضارية لهم بعيدا عن قساوة الأعراب وجمود عواطفهم .
أما الهنود فهم من بين شعوب الأرض الذين يتميزون بالعاطفة الدفاقة وخصوصا فيما يتعلق بالبكاء، وكنت دائما أتخيل وأنا اشاهد الأفلام الهندية في صغري والتي يبكي فيها كل الأبطال والبطلات غالبا لسبب أو لآخر أن المخرج يكون قريبا من الممثلين ويفرم لهم كميات هائلة من البصل حتى تسيل دموعهم حتى اكتشفت فيما بعد أن الكثير من الشعوب في هذا العالم لديهم عواطف طبيعية تنساب بكل سلاسة بعيدا عن أي قمع، وهم غالبا مسالمون ولا يتركون في أعماقهم اي حقد،وتحفهم السكينة والحبور رغم ظروفهم الخارجية الصعبة، فالرجل عندهم لا يأخذ ثأره بعد اربعين سنة ويقول " استعجلت " ويدرب اولاده على عدم التسامح..!
لقد اكتشفت أيضا أنني غالبا وأنا أضحك من كل أعماقي في الأوقات التي ييسرها الله لي أن دموعي تسيل بغزارة، ويبدو أن الغدد الدمعية التي تنقي الجسم من السموم تتلقى نفس الإيحاءات سواء في الضحك أو البكاء أو ربما تجد طريقها إلى النشاط خلال أي محفز لا سيما وهي شبه معطلة .
لا أظن أن من العيب أن ننتقد انفسنا أو ننبه إلى عادات توارثناها خطأ أو لأسباب تبدو خارجة عن طبيعتنا، لاحظوا مثلا أنه لا توجد لدينا أغاني حزينة أو أغاني مرحة أو مضحكة في تراثنا الحالي والقديم، بل معظمها حيادي، ولاحظوا معي الأغاني التركية والإيرانية مثلا التي تمتلأ بالشجن وتفيض بالمشاعر...!
ولست هنا في معرض استعراض مدى أهمية تدفق المشاعرالانسانية بكل عفوية وفي الأوقات الخاصة بها دون كبت ولا سيما من الناحية الروحانية لتجعل من الانسان كائنا شفافا وشديد الحساسية لما حوله، وقادرا على التفاعل مع تجليات الله في هذا الكون، ولكني في النهاية اتمنى أن نعيد التفكير بالمسلمات التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا ونقيم مجالس للضحك الذي ينتقل كالعدوى وتجمعات لتقشير البصل على الأقل في قبو ما حتى نتمرن على إطلاق ما يقبع في أعماقنا من ركام منذ قرون وقرون..!
yahqaissi@gmail.com