روائي اردني يعترف بسطوة الرواية على المشهد الثقافي

تم نشره الجمعة 19 آذار / مارس 2010 02:35 صباحاً
روائي اردني يعترف بسطوة الرواية على المشهد الثقافي

المدينة نيوز – خاص - هشام عودة - يرى الروائي الاردني سليمان القوابعة ان الخطر على الرواية ياتي من بعض المشتغلين بها، اولئك الذين يعتقدون بتزاوج الاجناس الادبية، لافتا النظر الى ان الازمة التي يعيشها الشعر العربي بسبب تراكم الغموض الذي يحيط باجواء كثير من الكتابات التي تسمى شعرا، هي التي اعطت مجالا لنمو الرواية لتصبح ديوان العرب.

وقال القوابعة ان ادباء الاطراف بعيدون عن الاهتمام والاعلام معا، وان المركز هو الذي يحظى بكل شيء دائما، مشيرا الى ان السنوات التي قضاها معلما في المغرب، هي من اخصب سنواته انتاجه الادبي.

وفيما يلي نص الحوار

 

* ما الذي تركته المرحلة المغربية على تجربتك الروائية؟.

- هذا السؤال يعيدني الى خواطري القديمة والى أيام عزيزة ما زالت في البال حين ساقتني الظروف الى مواقع قصية من وطني العربي الكبير .

كان محط إقامتي هناك مدرسا في اقليم اغادير، وتحديداً في "معهد محمد الخامس للتعليم الاصيل " فكانت التجربة مفاجئة لي ورائعة ايضا، اذ زادتني مناسباتها وعيا على وعي، وعمقت المفاهيم التربوية لدي، وأزيد من ذلك بكثير، فهناك في المغرب الأقصى وفي مواقع زرتها من تونس حتى تخوم موريتانيا، وجدت ما يثير الدهشة لدي، فلا بد أن أكتب واختزن لمقبل الايام، الناس هناك واجهونا بأسئلة مباشرة وصارمة وهم يحملون نفس الهم، أسئلتهم تتسرب إلى دواخلي بحميمية عجيبة، ومن طلابي واجهني مثلها لتحط على الدماغ فتصيب مكامن الوجع وتثيرني من جديد وهي تحوم حول قضايا الأمة، "ياأهل المشرق العربي كيف أضعتم فلسطين وأنتم في جوارها....؟؟ "، فكيف أجيب واللحظات تعيدني إلى المشرق أصل الهم والجرح والإبتلاء...؟.

وهناك في المغرب كانت الأسئلة ترد إلى الاذهان وتتجدد والشبيبة يكثرون من العتب والاستفسار ويصرون على الجواب، فيما يتعلق بضعف التواصل بين المشرق والمغرب، ومع الزملاء كنا نلتقي في جلسات حوار ومطالعة، وفي عالم الرواية كان لنا نصيب ونحن بينهم منتصف السبعينيات، والتقينا بروائيين لهم حضورهم المشهود ومنهم عبد الكريم غلاب والعزوي وصاحب الخبز الحافي وغيرهم من روائيي الشمال الافريقي مثل الطاهر وطار ومحمد زفزاف وبوجدره.... الخ ، وقد فوجئت بجودة الاداء وبما يزيدنا تجربة وتأملا .

وهكذا اضفت الى روايتي المتواضعة "جرح على الرمال " التي اصدرتها في عمان عام 1969 رواية اخرى في المغرب وبعنوان "شجرة الآرغان " لتفوز بجائزة الرواية العربية في المغرب عام 1978، وهذا الحدث اسعدني كثيرا فبدأت بمخطوطة رواية تدور احداثها في المغرب وبمواجهة مع المستعمر في مواقع اخرى من الوطن الكبير، وقد صعدت الرواية في نهايتها مع شخوصها الى قمة "جبل طوبقال " اعلى قمة في بلاد العرب، ليرى من صعدوا الوطن العربي من الماء الى الماء فرقصوا رقصة مغربية صوفية او جنوبية تحتج على توالي الخيبات التي لم تنقطع، رقصة تضرب فتهز وجه الارض رغم ما يقال عن التحرر او ما يسمى بـ "استقلال الاوطان ".

نعم في المغرب الاقصى هناك اتسعت التجربة لدي في اكثر من مجال، فللمغرب عندي عشق وتقدير وادركت بيقين ان المدى العربي وطني.

 

* باعتبارك روائيا، هل تعتقد ان قرننا الحالي سيكون قرنا للرواية على حساب الشعر؟.

 

- الاصل في الاجناس الادبية ان تسير معا وتقدم رسالتها المنتظرة وان اختلفت الادوار وبنسبة مقبولة، ولكن منذ سنوات قريبة فان ما نسمعه هو " ان الرواية اخذت دورا ومكانة، والرواية الان هي ديوان العرب وان هذا العصر هو عصر الرواية " لكن الامر بحاجة الى نظرة اخرى وبوقفة متأملة، فما نلاحظه هو ان الرواية تقدمت في سلم الاداء وشدت القراء اليها وعلى حساب الشعر، ويعود الامر الى الشعر نفسه والى من تلبسوا الشعر عنوة واضروا بذائقة محبي الشعر.

هنالك شعراء ما زالوا اوفياء لنواميس الشعر نحترمهم، هم واقعيون معنا يزاوجون بين مفرداتهم الواضحة المتزنة والمتقدمة باعتدال ويلتقون بجمهورهم الذي ينسجم بذائقة معهم، وهناك شريحة من الذين تمردوا على واقعية الجمهور وراحوا يصنعون للمفردة اجنحة اخرى وفي عالم الحداثة وما بعد الحداثة ومع اساليب اخرى فيما يسمى القصيدة ذات الايقاع الداخلي والدوران حول الذات وما يحتاج لوقت كي يعي المتلقي ما يقال وبالتالي ينقطع التواصل بين هذه الشريحة من الشعراء وبين جمهورهم الذي لا يستطيع ان يقبض على شيء مما سمع .

وفي هذا المجال فإن الرواية تقدمت بخطابها المحتشد بالمعنى والمغزى على حساب الشعر ومع آخر أطيافه غير مفهومة، إذا ًفالواضح ان الشعر في معظمه خفت جمالياته بينما الرواية اتسع مداها فهي متاحة للكثيرين الذين يجدون احداثها تدور معهم وتمس واقعهم وما يجري بينهم صراحة، فالعزوف عن حضور أمسيات الشعر يعود الى ما يطرح من كلام يحتاج الى شريحة من المهتمين وبنسبة متواضعة من هؤلاء.

واذا عدنا الى السؤال مرة اخرى نجيب بنعم، ان مجال الرواية في هذا الوقت اوفر حظا ًمن الشعر، فهي في متناول الفهم والمتعة وازدحمت الساحة بالشعر الذي يختلط فيه الهابط بالجميل .

 

* يحظى ادباء المركز عادة باهتمام اعلامي يفوق ما يحظى به ادباء الاطراف، وانت تعيش في الطفيلة، كيف واجهت هذه المعضلة؟.

 

- نقول من حق المركز الرئيس ان يكون له دوره المميز، ولكن لا بد ان يضيء على اطرافه قدر الامكان، دون ان يحتكر معظم ما يقال، نعم ويحق لنا ان نسأل لماذا تتوارى الانشطة الثقافية كلما ابتعدنا عن المركز.

ونعود الى مفهوم الاطراف الذي يثير الالتباس، فليست كل منطقة تنطلق حافلاتها من العاصمة هي اطراف مثقلة بالمعاناة، فالاطراف التي نقصدها هي ذات المسافات البعيدة وياخذ السفر اليها ساعات، وهي معروفة حقا حيث هوامش المفرق والرمثا والاغوار والقرى البعيدة ومناطق الجنوب ذات المسافات الضاربة في البعد، وهذه الاطراف النائية لا تسعفها وسائل مواصلات منظمة كي يتفاعل مبدعوها مع امسيات المركز التي تشد وتحتكر ما هب ودب، كما يقال، بل واذا اقبل علينا مفكرون ومبدعون من الوطن العربي الكبير فان هؤلاء لا يغادرون المركز الرئيس ولا يتقدم اليهم ويلتف حولهم الا شريحة من مبدعي المركز وخاصة تلك الاسماء التي تراوح حول نرجسيتها وتصنع لها نجومية، ونحن نلمس ذلك، وليس هذا اتهام لغيرنا او هو رجم بالغيب فالامر واضح جدا.

ويبقى السؤال كيف نواجه هذه المعضلة في بلد بحجم ضمة ورد كما يقال...؟

هنا لابد ان نميل على المعاناة لنحاصرها لكي لا تجهز علينا ويتسع وجعها ما دام لنا اصدقاء اعزاء يشعرون معنا، وهكذا نشد الرحال اليهم ونلتقي بهم نسمع ونتحاور في ما يهمنا مع الشأن الثقافي، فنجد انفسنا وكأننا على تواصل مع بعض فعاليات المركز كلما سنحت الفرص بين حين واخر، وهكذا نستمر وننسى التعب ومشقة الطريق.

ان الحديث في موضوع المركز الرئيس والاطراف يطول، فالمركز هكذا نجده هو "بيت القصيد "، اذ ترفده وسائل الاعلام التي تنشد الراحة مع ما بين يديها وحولها فتهرب من وجع غبار المسافات ومن تعب الاعداد للمشوار الذي اذا حدث يبقى رفعا للعتب.

 

* ازداد عدد الادباء الذين يكتبون الرواية مستسهلين هذا النمط من الكتابة، واطلق البعض مصطلح النص المفتوح على هذا النوع من الكتابة. هل انت خائف على البنيان الفني للرواية ام تعتقد ان الكتابة الجديدة تخدم مشروعها؟

 

- حقا هذا موضوع يحتاج الى بحث ودراسة مسؤولة، فله عوائد مزعجه وخطيره، ويبدو ان الامر له ابعاد كثيرة انطلق اولها من سوء فهم مقولة تداخل الاجناس الادبية وتوظيف بعضها لصالح جنس او غيره، وهذا شيء مبرر ولكنه يعتمد قدرة المبدع وتمكنه في ميدانه، فالقصة القصيرة نجدها في ثنايا الرواية وبتوظيف فني متقن في بعض الروايات وليست فائضة عن الحاجة، كما التقى القطع السينمائي مع اعمال اخرى ومنها الرواية، وكذلك التاريخ الذي افاد بعض الروايات، وتتوالى الامثلة غير ان الامر راح يتسع ويختلف بل ويسوء مع الزمن في هذه الايام وعلى ايدى بعض المبتدئين من الشباب.

وفي هذا الصدد نشير الى ان الولوج في ممارسة الكتابة الروائية ليس سهلا كما يظن البعض، ان الرواية هي حكاية تطول، فليست خواطر متراصة او هذيان وغير ذلك.

الفن الروائي يحتاج الى ثقافة تتسم بالدراية والامتلاء بالوعي والتجربة والاطلاع على ما يطرح من روايات ومحاكتها قدر الامكان، والاستفادة من ادائها، الا ان ما نراه من اعمال مستجدة نختلف معه، ومن خلال خواطر التجديد او التجريب غير المسؤول، اتجه البعض الى الكتابة الروائية وبخلط عجيب وغريب للاجناس الادبية ومن باب ما نسميه النص المفتوح ويغيب عن اذهان البعض تجارب من سبقهم ومثال ذلك الروائيه "مرجريت متشل " التي نسخت روايتها "ذهب مع الريح " سبع عشر مرة.

لقد بدأنا نشاهد اعمالا يكتب على اغلفتها رواية، وهي تتجاوز النسق الروائي، وفيها خلط بين اعمال البحث والتوثيق، فنجد تضمين العمل مرجعيات للشعر والاقوال داخل المتن وكأننا نكتب بحثا يخرج الرواية من جنسها، وهنالك من استسهل الكتابة الروائية او الولوج في كتابة نصوص اخرى من خلال تشجيع او كلمة اطراء من باحث او استاذ في جامعة بل ومن محكم ساهم في جائزة لا يستحقها من سجلت له وتعجل في الكتابة دون ترتيب او هدوء بال.

بصراحة انني اخاف واشعر بالضيق لبعض ما يتم طرحه في مجال الرواية.

 

* رغم انجازاتك المهمة في حقل الرواية الا انك مازلت بعيدا عن الاضواء، من يتحمل المسؤلية عن ذلك، انت ام النقاد؟.

 

- قد تمتد الاجابة، فلقد بدأت الاهتمام بالفن الروائي منذ زمن بعيد وازيد من اربعين عاما، فكتبت الرواية الاولى عام 1967 وصدرت عام 1969 بتقديم من الدكتور هاشم ياغي استاذنا العزيز امد الله في عمره، وحصلت من تونس عام 1976 على جائزة النص الادبي في مهرجان قيروان للوطن العربي ثم جائزة الرواية العربية من المغرب عام1978.

واستمر ادائي الروائي اضافة الى كتب اخرى تخص التاريخ والجغرافيا، وها انا اسير مع مشاغلة الكتابة رغم بعد مسافات الجنوب المتعبة، لكنني لم اتعب، وقد ازيد على استحياء ان الاضواء كي تحوم حولك لا بد لها من طقوس اخرى معروفة وربما اجدها مشينة حد الفضيحة، وهنا استميح عذرا القاص طلعت شناعة حين اشار لي بالقول: "مقل في الظهور الاعلامي ولا يسعى اليه، فقط يكتفي بالكتابة والمعايشة والانغماس في حكاية لا تنتهي ".

وبعد لا نقصر في التواصل مع من نلتقي بهم في المركز الرئيس مع النقاد والاكاديميين والزملاء، وما يهمني هو ان التقي بمن يحمل الهم الثقافي او يدعي بذلك.

 

 

 

 

 

 

 

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات