مجهولو النسب يغادرون دور الرعاية باكرا والمجتمع يعتبر وجودهم خطأ
المدينة نيوز - "منذ خروجي من دار الرعاية وأنا أحاول المضي قدما في حياتي، لكن شبح الماضي وأصولي العائلية ما تزال تطاردني".. كانت هذه شهادة أحد خريجي دور الرعاية حول معاناتهم في الاندماج في المجتمع.
يقول الشاب أحمد (اسم مستعار): "كثيرة هي المواقف التي تعرضت لها بعد خروجي من الدار، وأذكر في إحدى المرات أنه تم توقيفي من قبل رجل أمن، وعندما قلت له بأني لم أرتكب أي مخالفة أو أمرا خاطئا، قال لي: أساسا وجودك في هذه الحياة هو الخطأ".
وتتفق شهادة زينة(اسم مستعار) مع أحمد، وهي خريجة دور رعاية، إذ تقول: "أنا ولدت لا أعرف أبي وأمي، وهذا ليس ذنبي، ما أريده فقط هو الحصول على فرصة في حياة كريمة، وأتمنى أن يحكم علي الناس من خلال أفعالي وليس من أصلي".
وفي وقت يعاني فيه فاقدو السند الأسري من تمييز اجتماعي يضاعف من صعوبة اندماجهم في المجتمع عند الخروج من دور الرعاية، دعا مختصون إلى ضرورة إطلاق مبادرة وطنية لإلغاء الوصمة الاجتماعية التي يعاني منها هؤلاء.
وقالوا خلال مؤتمر نظمته جمعية سكينة لرعاية الأيتام برعاية الأميرة عالية بنت الحسين، تحت عنوان "أطفال محرومون من الروابط الأسرية منذ الولادة، نسعى لتغيير التفكير التقليدي"، إنه بالتوازي مع إلغاء الصور والتعامل السلبي مع هذه الفئة من المجتمع، هناك أيضا حاجة ماسة لدعم الأطفال وتأهيلهم خلال وجودهم في دور الرعاية للاندماج في المجتمع لاحقا عبر إكسابهم كافة المهارات اللازمة لذلك، والتأكيد على تعليمهم وتأهيلهم المهني قبل الخروج من دور الرعاية.
من ناحيته، قال أستاذ الفقة وأصول الدين الإسلامي الدكتور محمد نوح القضاة إنه "من الناحية الشرعية لا يجوز تحميل الأطفال مجهولي الوالدين وز أفعال الوالدين، ولا يجوز التمييز ضدهم بأي حال من الأحوال".
وأضاف القضاة: "إن اجر رعاية وكفالة الطفل مجهول الأبوين أكبر من أجر رعاية الطفل اليتيم شرعا، لأن الطفل اليتيم لديه أسرة ممتدة من أعمام وأخوال، أما الطفل مجهول الأسرة فليس له أي دعم أسري، ومن هنا فإن أجر رعايته أكبر".
وبين أن "الجانب الشرعي واضح في هذا المجال، من حيث ضرورة الإنفاق على هؤلاء الأطفال ورعايتهم وعدم التمييز ضدهم، لكن للأسف توجد معتقدات خاطئة في المجتمع تجعل منهم عرضة للتمييز والإساءة".
بدوره، أشار خبير القانون الدولي وحقوق الإنسان الدكتور أيمن هلسة إن "التمييز لا يقتصر على المجتمع فقط، بل يمتد إلى القوانين التي تطلق على هذه الفئة أسماء تمييزية كالأطفال غير الشرعيين واللقطاء ومجهولي النسب"، داعيا في هذا المجال إلى ضرورة مراجعة المصطلحات في القوانين وإلغاء كافة البنود التمييزية.
وتناول المستشار القانوني لجمعية سكينة المحامي عمر الطويل، واقع حال خريجي دور الرعاية حاليا، لافتا إلى ان الغالبية العظمى منهم "لا تقرأ ولا تكتب، فضلا عن عدم منحهم التأهيل الكافي للاندماج في الحياة بعد التخرج".
وانتقد الطويل تعليمات وزارة التنمية الاجتماعية التي تنص على "ضرورة أن يغادر الشخص دور الرعاية بعد بلوغه سن 18 عاما"، مبينا أن "غالبية الخريجين في هذا السن يكونون غير قادرين على الاندماج في المجتمع والعيش بشكل مستقل".
وقال: "الأصل ان يستكمل اليافعون تعليمهم الجامعي أو تأهيلهم المهني، ومن ثم مغادرة الدار والعيش بشكل مستقل، على أن يكون هذا الأمر تدريجيا".
وخلال المؤتمر، عرض عيسى وهو أحد خريجي دور الرعاية تجربته في الحياة خارج أسوار مؤسسات الرعاية قائلا "تنقلت بين أربع دور رعاية، لم يكن الأمر سهلا، ففي كل مرة كنت أشعر بها بالاستقرار، كان يتم نقلي إلى دار أخرى، ويعود ذلك إلى سياسة الفصل على أساس السن في دور الرعاية".
ويتابع: "عند بلوغي سن 18 عاما تم إخراجي من الدار، وأعيش حاليا في شقة مستأجرة من قبل وزارة التنمية الاجتماعية مع عدد من أصدقائي، وتم تشغيلي في القطاع الخاص، لكنني لم أستمر في العمل أكثر من أسبوع، لأن متطلبات العمل كثيرة وشاقة وتفوق قدراتي".
وخلال المؤتمر، تم عرض فيديو لشهادات عدد من خريجي دور الرعاية، ركزت على "رفض المجتمع التعامل معهم باعتبارهم مجهولي نسب، وأقل مكانة من غيرهم".الغد