نهاية اسرائيل بين الامس واليوم

تم نشره الأحد 28 آذار / مارس 2010 10:35 صباحاً
نهاية اسرائيل بين الامس واليوم
د. محمد احمد جميعان

كلما اثير موضوع نهاية إسرائيل او زوالها يخرج البعض من معسكر "السلام" والمثبطين ليتحدث بالواقعية والاستفادة من التجارب مستندا الى التاريخ القريب المليء بالهزائم المختلفة والأصوات الدعائية المرتفعة التي كانت تتحدث عن "جوع يا سمك ورميهم في البحر وهكذا"، غافلا عن التاريخ البعيد او ماضي الأمة المشرق الذي جعلها اعز حضارة واقدر امة وأشجع رجال وأقوى حجة وأفصح بيان استطاعت من خلاله ان تشكل امتدادا مساحيا وعمقا جغرافيا على امتداد الكرة الأرضية في زمن قياسي لم يكن له مثيل في تاريخ الحضارات الغابرة او المعاصرة.

 ومع ذلك فان مقارنة ميدانية بين هذا الماضي الذي يشيرون إليه والحاضر الذي نرى فيه نور الحقيقة القادم وقائع لا ينكرها احد يمكن ايجازها:

1ـ نعم لقد صدح احمد سعيد من صوت العرب عن رميهم في البحر وتجويع السمك ليبتلعهم ولكننا لم نكن نمتلك القوة والقدرة على تدمير إسرائيل او حتى هزيمتها في معركة كبرى، فقد غلبت المؤامرات والدعايات وتحصيل الشعبية على الامكانات والقدرات والجاهزية.

 في المقابل فان الحديث الآن عن زوال إسرائيل يرافقه قوة واقتدار يربك ليس إسرائيل وحدها بل وأمريكا التي تقف خلفها التي تقف عاجزة عن اتخاذ موقف تجاه ملف اسمه "الملف النووي الإيراني" ناهيك عن سيل الأحاديث المتكررة لاحمدي نجاد عن زوال اسرئيل وتحدي الغرب وأمريكا وإسرائيل ان يحاولوا ضرب إيران. وحتى لا نبتعد كثيرا فان المعلومات العسكرية ومراكز الدراسات تشير الى ان حزب الله في لبنان وحده دون غيره قادر ولديه جاهزية وترسانة من الصواريخ تفوق الأربعين ألف، والبعض يتحدث عن سبعين ألف صاروخ قادرة على إحداث تدمير هائل في إسرائيل فيما لو تم توجيهها الى مراكز ومعامل كيماوية وأبراج سكنية وأحياء مكتظة.

 وان ضربة مثل هذه من قبل حزب الله على إسرائيل كفيلة ان تحدث هذيانا مدنيا وذهولا عسكريا يضع إسرائيل على عتبة الانهيار الذي سيتبعه تدفق بشري هائل الى فلسطين يسيطر على كافة المرافق فيها فكيف إذا كان الحديث عن محور متكامل وطوق ناري متآلف يشمل حزب الله وإيران وسوريا وحماس وحشد بشري جاهز للتدفق فيما لو نفذ هذا السيناريو...

2ـ لم يعد سرا حجم الاختراق المخابراتي المذهل وبالذات الإسرائيلي للمنظمات والفصائل الفلسطينية لمنظمة التحرير الفلسطينية ما قبل عملية السلام، فقد تحدث عن ذلك الكثير من مدراء وضباط المخابرات السابقين وصدرت مؤلفات بذلك وصل حد ان الشين بيت كان يعد البعض من الكوادر عند التحقيق معهم ان يصبح قائدا فيما لو اعترف وتعامل معهم، وهذا الاختراق اخذ بعدا خطيرا في تاريخ القضية الفلسطينية وحول هذه الفصائل الى مجرد أسماء وبيانات وأصوات إعلامية ودعائية وتنسيق وضباط ارتباط وحجوزات بالفنادق والشقق المفروشة بعيدا عن واجبها الأساس وهو العمل الميداني والمقاومة بل وأخذها الى إثارة الفتن وطحن وصراعات فيما بيننا.

 وكانت الذروة الأسوأ في ذلك مواجهة وقتال الأنظمة والدول والعواصم التي احتضنتها منذ البداية الى ان أصبحت تنافسها على الحكم والسلطة بشكل دمر هذه الفصائل ماديا ومعنويا وأبعدها عن حاضنتها الشعبية والعربية والإسلامية وجعلها محل نفور وعزلة وإحباط الى ان توجت ذلك في سابقة مخزية ومستغربة غير معهودة في التاريخ بإلغاء بند المقاومة والتحرير الكامل لفلسطين في ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية التي وجدت أصلا من اجل ذلك عام 1964 (أي قبل احتلال عام 1967)، وبعدها هرولت هذه الفصائل مسرعة الى السلام الموعود  بإقامة الدولة القابلة للحياة، وسارع البعض الى القشور والإجراءات الشكلية والبروتوكولية الى فرش البساط الأحمر واخذ يستعرض حرس الشرف قبل إقامة الدولة لهذا السلام الذي كانت نتائجه معروفة للجميع.

 وفي المقابل فنحن الآن أمام مقاومة تكاملية متصاعدة قادرة وعقائدية وحقيقية ومحصنة ومثمرة على ارض الواقع في العراق الذي أصبح مدرسة وميدان تدريب لتخريج المقاومين وفي لبنان وغزة وصلت حد تحرير الأرض وإطلاق الأسرى وكانت عصية على الاختراق الاستخباري وهي تنجز بشكل متواصل ومتواتر لم نشهده من قبل، وهنا لابد من الإشارة الى ان المقاومة العراقية في اغلبها واللبنانية من خلال حزب الله وحركات المقاومة الإسلامية والشعبية في غزة ورأس حربتها حماس فهي منذ تأسيسها استفادت من هذه التجربة ولم تنجرف الى صراعات مع الأنظمة او اختراقات على غرار ما حصل في السابق، لذلك حققت هذه الإنجازات وحصلت على هذه الشعبية المتنامية بين الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي في زمن قياسي غير مسبوق.

3ـ الإرادة في قرار المواجهة مع إسرائيل وإزالتها كان في السابق يرتبط في اغلبه بتثبيت الكراسي وتحصيل الشعبية والنجومية والهتافات والتصفيق وما رافق ذلك من مؤامرات ودكتاتوريات وانقلابات وصراعات للقوميين وإعدامات للإسلاميين أمثال سيد قطب وقد أعجبني قول لأحد الناصريين بمثابة نقد ذاتي حين وصف القائد جمال عبد الناصر قال "ان عبد الناصر عظيم الأمجاد عظيم الأخطاء".

 بالمقابل فان الإرادة في قرار المواجهة مع إسرائيل وإزالتها يرتبط الآن في ثلاثة إبعاد متلازمة وعازمة على تحقيق الهدف هي عمق عقائدي متلهف للمواجهة ومصلحة استراتيجية إيرانية وتحالفية مع حزب الله ترتبط بأجندة متكاملة بمشروع طموح فوق العادة لقيادة الأمة الإسلامية مفتاحه الأساس هو زوال إسرائيل على أيديهم وبدون ذلك لن تستطيع إيران تحقيق مشروع عظمتها، وثالثا الإعداد والاستعداد المتواصل قدرة واقتدارا وتشكيل حلف متماسك وقادر على المواجهة وتحقيق الهدف، ومن يريد الاستزادة والتفصيل فهي موجودة في بحث لي سابق ومنشور بعنوان "مدى جدية واستراتيجية تصريحات الرئيس الإيراني احمدي نجاد.

4 ـ الاستعداد للتضحية وتحمل الخسائر وهنا لا أريد المقارنة فهذا الاستعداد كان موجودا في السابق لدى أبناء الأمة ولكن لم تكن هناك قيادة موحدة وقيادة مقاومة قادرة وعازمة ونظيفة على استثمارها باتجاه التحرير بل وللأسف استثمرتها باتجاهات أخرى، أما الآن فالوضع مختلف تماما وقد رأينا ذلك بوضوح في العراق الذي هو رصيد قادم وفي لبنان وغزة والأيام سوف تثبت ذلك اكثر وأكثر..

5ـ ان معظم الدراسات وكافة المعطيات والمستجدات المتسارعة تشير الى مرحلة جديدة تغيب فيها دولة إسرائيل كنظام سياسي وعسكري وأيدلوجي دون المبالغة في رمي اليهود بالبحر كما كان يقال سابقا بل في استيعاب من يبقى منهم على ارض فلسطين في إطار دولة فلسطينية ديمقراطية تحكمها صناديق الانتخاب، وان انهيار عملية السلام القادم قريبا وتصاعد الإعداد والاستعداد المتواصل للمقاومة وحلفائها في المنطقة ومنهجية القلعة والحماقة والهواجس الأمنية التي تسيطر على العقلية الإسرائيلية هي بداية النهاية لتدحرج إسرائيل نحو نهايتها بشكل متسارع، وان إسرائيل تدرك ذلك جيدا تبعا لكل الحوارات والدلائل والمظاهر والمؤشرات الميدانية والإعلامية والسياسية لديها حيث يزداد التخبط وتنعدم الخيارات وتتدنى معها المعنويات التي لولاها ولولا امريكا لما بقي هذا الكيان قائما لغاية الآن.

   drmjumian@gmail.com د. محمد احمد جميعان

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات