ما نبيعه
ماذا يمكن أن تكون ردة فعلك لو دخل أحدهم بيتك رغبة في قتلك وكل من فيه، فقط لأنك تختلف عنهم بالدين أوالمذهب والمعتقد، ترى هل ستستقبلهم بالأحضان والورود؟
فكيف بمن تجرأ على بيت من بيوت خالق البشرية جمعاء عزوجل، وهو المكان الذي يفترض أن يلوذ به كل خائف، ويطمئن إليه كل مضطرب، فقال عزوجل في الآية 114 من سورة البقرة في كتابه الكريم: {{ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها إسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخولها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم}}.
وقد كان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم وقف قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام مودعاً المسلمين بآخر خطبة له، وهو يؤدي فريضة الحج لبيت الله الحرام، عندما صدح بأعلى صوته بجملته التي إتفق على روايتها البخاري ومسلم: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))، وكأنه يعلم ويرى ما سيحدث من بعده بين أبناء الأمة الواحدة، ولكننا لا نتصور بأن نبي الأمة عليه الصلاة والسلام كان يتصور لحظة بأن هناك من سيتجرأ ليس فقط على رقبة أخيه المسلم، بل وعلى بيت خالقه عزوجل، ليدخل ويفجر نفسه بأشخاص جاؤوا لعبادة ربهم والتوجه لخالقهم بقلوبهم وعقولهم فأي خزي وعار بعد هذا !
ما جرى في الأسابيع الأخيرة في بلاد الحرمين ليس إلا فصلاً مقيتاً من فصول محاولة زعزعة أمن وإستقرار هذه الأرض الطاهرة، والتي وضع الله فيها قواعد بيته الحرام منذ آلالاف السنين وضمت بين جنباتها أطهر الخلق صلى الله عليه وسلم ومسجده الشريف، وهذه المرة بأيادي تسعى لتخريب البلاد وبث الفرقة والنزاعات بين أهلها ليسهل الدخول إليها والسيطرة عليها، وقد وضح ذلك جلياً في إحدى تغريدات مؤيدي هذه العمليات عندما قال مبتهجاً: لو سارت الأمور على ما يرام سوف تندلع حرباً طاحنة بين قوات الداخلية وشيعة القطيف ليسهل بعدها دخول جند الخلافة !
ولا ندري أي خلافة هذه التي يروج لها على أشلاء ودماء المسلمين وحتى غير المسلمين من البشر، وهل نسي هؤلاء إن كانوا ممن عقلوا دين الإسلام وصايا نبي الأمة عليه الصلاة والسلام بأن لا يقطعوا شجرة ولا يقتلوا شيخاً ولا طفلاً، ولا حتى يتعرضوا لهارب من أرض المعركة، هذا في حال المعركة فما بالك بالاعتداء على أناس آمنين مطمئنين، أم أنهم نسوا عندما دخل الخليفة عمر رضي الله عنه أرض القدس فاتحاً فكان أول أوامره أن لا يتعرض أحد لكنيسة للنصاري ولا كنيس لليهود بأي أذى، فكيف بمن استحل دماء بني دينه من المسلمين اليوم!
ثم نتسائل كيف لإنسان أن ينصب نفسه مكان الخالق عزوجل ليفعل كمن حاج إبراهيم عليه السلام في ربه بأنه يحيي ويميت، فيقرر أن هذا يجب أن يموت لأنه يحمل دينا أو مذهباً أو حتى فكراً مختلفاً، وذلك يجب أن يعيش لأنه يوافقه في ما يريد هو، ناسياً أن هذه النفس البشرية عصمها الله عزوجل ولم يعطي حق إزهاقها لبشراً كائنا من كان إلا بالحق، ثم إن كان هذا المبدأ صحيحاً في شرع الله فلماذا لم يقتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومن قبله كل الأنبياء مخالفيهم ويذبحونهم، وهم الذين تحملوا أذاهم سنوات طويلة في حياتهم !
لذلك نقولها بملأ الفم ستخيب باذن الله مساعي كل من أراد سوءاً بدين الإسلام، والذي جاء نبيه بمبادئ السلام والمحبة والإخاء وتقبل الآخر لكل العالم، وسنبقى ننشر هذه المبادئ في العالم ما حيينا بقدر نشركم للدماء والأشلاء في هذا العالم وأكثر، وستبقى بلاد الحرمين موحدة تحت راية التوحيد يطمئن فيها كل من يعيش في كنفهما، ولن تنجح حربكم على بيوت الله في أي بقعة من هذا العالم، فستبقى كلمة الله هي العليا ولن ينجح أحد في إخافة عباده وإرعابهم، ولو إعتديتم على كل بيوت الله عزوجل سيبقى ذكر الله عالياً ولو أقمناها في قلوبنا رغم أنف كل من أراد بها سوءاً، ولن تفوزوا إلا بالخزي والعار في الدنيا والآخرة.
ورسالة أخيرة إلى رجال الأمن في أرض الحرمين ونحن ننتظر قدوم شهر رمضان المبارك بعد أيام قلائل، جعله الله شهر خير وبركة على الجميع، لم تأتي هذه العمليات بهذه الطريقة وهذا التوقيت إلا لإرسال رسالة رعب وخوف بين المصلين وعوام المسلمين قبل الشهر الفضيل الذي تكتظ فيه بيوت الله بالمصلين، وأنتم الأمل بعد الله في تشديد الاجراءات الامنية لمنع هؤلاء من مخططاتهم والتنغيص على عباد الله عبادتهم في الشهر الفضيل وغيره من الشهور والأيام، حمى الله أرض الحرمين وأهلها الطيبين وكل من يعيش فوق ترابها الطاهر، وسيبقى صوت أهلها وأهل كل بلاد الإسلام يرتفع أكثر وأكثر مع كل محاولة إعتداء جديدة عليها كما ارتفع قبل أيام في مدينة القطيف: إحنا كلنا إخوان سنة وشيعة، إحنا ربنا واحد ونفس الشريعة، والوطن هيهات والله ما نبيعه.