التوجيهي : العرض والمرض
المدينة نيوز - : ما أن تشرع بالكتابة عبر الفيس بوك حتى يداهمك بسؤال كالآتي: ما الذي يشغلك ؟
الذي يشغلني 70% من طلبة الثانوية العامة الراسبين لهذا الدور وهذا العام..... أين ستذهب الدولة الأردنية بهم ؟؟؟؟؟؟؟
الذي يشغلني كل الحماقات التي ستمارس الآن بذريعة الفرح للناجحين حيث سنستمع لوصلات من إطلاق العيارات النارية تكفي لتحرير الأنبار من يد داعش.......
الذي يشغلني ذلك الرقم المسمى بمخزون ديوان الخدمة المدنية من طالبي الوظائف حيث وصل لأكثر من 300 الف طلب توظيف مكدس وراكد في الديوان.....
الذي يشغلني ذاك المسمى بمرض التوجيهي في الأردن الذي جعل الحياة مرتهنة لوهم مخادع اسمه اجتياز الثانوية العامة.....
الذي يشغلني هو إنهاك المجتمع وخاصة الطبقة التي تسمى بالوسطى باللهاث لتلبية متطلبات نخبوية لا تقدر عليها ولا تستطيع تجاهلها حفاظاً على إمكانية تحقيق حد أدنى من الفرص الحياتية.....
الذي يشغلني هو بزنس الصحة والتعليم والثقافة والرياضة والدين والعمل التطوعي والخيري والمجتمع المدني......
الذي يشغلني هو انحسار الخيارات والبدائل واتساع المتطلبات وندرة الفرص....
الذي يشغلني هو أن الدوامة تكبر وتمتد ولا مجال للوقوف أمامها ولا حتى الركوع لها... فقط انبطاح كامل وإعلان الانهيار التام....
الذي يشغلني أن ما يدعى بامتحان التوجيهي لا يقيس أية معارف أو مهارات بقدر ما يقيس درجة الحفظ الببغائي والترديد الكتابي له.... شاهدت طالبة معدلها 92% لكنها راسبة في مادة علوم الأرض بسبب عدم أهميتها واحتسابها في المعدل لكن شرط النجاح فيها واجب للحصول على التوجيهي... تخيلوا أن هذه الطالبة أهملت المادة لمجرد أنها لا تدخل في المعدل فصارت سببا لعدم نيلها للثانوية مع أن معدلها 92%.......
آن الأوان أن يعود امتحان الثانوية كامتحان مدرسي .. وأن يكون القبول في الجامعات على أساس اجتياز اختبارات القبول الجامعي المتعارف عليها عالميا...
وزارة التربية تتخبط وهي الآن تقدم مرضاً جديداً للمجتمع الأردني عبر ما يدعى بالامتحان الوطني ( المترك) كمتطلب لاجتياز المرحلة الأساسية.....
ليس المطلوب من التربية التعليم وتقرير القبول في الجامعات بموجب امتحاناتها.... فقط المطلوب منها ( التعليم) والتعليم أقصد به التعليم والتدريس الحقيقي القائم على المعرفة والتفكير والنقد والمتعة والثقافة وتعليم المحبة والتسامح والتعاون والإعلاء من الأخلاق الإنسانية... وبناء الشخصية السوية.....
ما يشغل بال صانع القرار التربوي فعليا هو فلترة وتوزيع الطلبة بما يتماشى ورغبة النظام السياسي..... وهو في كل قراراته يسعى لتضييق الخناق والفرص أمام الطلبة معتقداً أنه بذلك يحقق الغايات الخفية للنظام التربوي والسياسي.....
إننا ونحن على هامش المؤتمر التربوي المزمع عقده مطلع الأسبوع القادم.. حري بنا الوقوف طويلاً ليس فقط للمراجعة والتعديل.. بل ربما بات الأمر يتطلب حلولاً ثورية ناجعة وناجزة كقرار علاجي أخير... وإلا فإن كل ما نفعله هو ترحيل وتأجيل الأزمات التي أصبحت مع التراكم التاريخي لها بمثابة ألغام عشوائية لا يمتلك خارطته