"التبرعات المدرسية ... القرار الذي لم يصدر بعد"
عندما أوعز جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم بإعفاء الطلبة الأردنيين في المدارس الحكومية من التبرعات المدرسية قبل سبعة أعوام، كمبادرة ملكية سامية للتخفيف عن المواطنين في ظل الظروف الاقتصادية التي يوجهها، ووعياً من جلالته بأهمية زيادة الاستثمار في الجسم التربوي ، ثمنت كل الجهات الشعبية هذا القرار حيث لا تكمن قيمة هذه المكرمة الملكية في جانبها المادي، بل أيضاً في بعدها الانساني والتربوي .
وأذكر حينها – كمديرة مدرسة في الميدان – أثر هذا القرار على طالباتي وذويهن ، كما وتحدث الاقتصاديون كثيرا في الصحف وعبر وسائل الإعلام عن هذا القرار المهم ودلالته الشعبية والرسمية ، وما أن بدأنا بالاستفادة من هذا القرار، إلا سرعان ما بدأت تتأخر هذه التبرعات عن موعدها ، بل وانشغلت الصحف ووسائل الإعلام – منذ خمسة أعوام على التوالي – بالحديث عن تأخر وصول هذه التبرعات إلى المدارس ، مما يكبد المدرسة وإدارتها الكثير من المشكلات المالية ، ويوقعها بحرج بالغ أمام مجتمعها المحلي ، وكانت في أكثر الأحيان تصرف مع نهاية العام الدراسي ، رغم تكرار الوزارة لوعودها بصرف مبلغ المكرمة الملكية و المقدر بأربعة ملايين دينار. وطوال السنوات الخمس الأخيرة تكرر وعود الوزارة من بداية العام الدراسي (شهر أيلول) لغاية نهاية العام الدراسي ( شهر أيار) بصرف التبرعات ، لتحل بعض الإشكاليات المادية، والحرج الكبير الذي تقع به المدارس في الميدان.
ومع تحمل الميدان للمشاكل المتكررة سنويا بسبب تأخر صرف هذه التبرعات إلا أن الأمر هذا العام قد تجاوز كل الحدود ، إذ أن الوزارة لم تحرك ساكناً في موضوع التبرعات المدرسية من بداية العام الدراسي (2014/2015م) حتى انتهى ، بل وقامت بشهر نيسان (4/2015م) بصرف مبلغ المنحة الكندية لمشروع "تطوير المدرسة والمديرية" كبديل للتبرعات المدرسية ، والذي لم يصل قيمة حصة بعض المدارس في حدها الأقصى إلى (150) دينار فقط ، وتم تحديد الصرف لهذا المبلغ في أوجه المجتمع المحلي والصيانة والنشاطات التطويرية فقط متناسين أوجه الصرف اللازمة للمدارس ، علماً أن ما وصل المدارس من هذه المنحة الكندية لا يصل إلى ربع قيمة التبرعات المدرسية المعتادة ، فلماذا حصل ذلك ؟؟
ولكم أن تتخيلوا كيف تدبرت المدارس أمورها طوال العام ، وأن التبرعات التي حرمت منها المدارس – على قلتها – قد ألزمت مدراء المدارس إلى الاستدانة من المحلات في السوق المحلي والدفع من جيوبهم والجمع من جيوب زملائهم المعلمين ووجهاء المجتمع المحلي والطلبة في المدارس حتى تتمكن من توفير مواد التنظيف والقرطاسية و الطباشير والصيانة المدرسية والمياه والعديد من الاحتياجات المدرسية الأخرى ، وما زالت هذه الديون على غالبية المدارس تنتظر إفراج الوزارة عن التبرعات ، فحتى متى يتحمل الزملاء في الميدان هذا الحرج ؟؟
و عندما ننظر إلى هذا القرار الوزاري المعطل فإننا نتساءل جملة من التساؤلات المفتوحة :
لماذا لم تصرف هذه التبرعات ؟؟ أهو عجز في ميزانية الوزارة مثلاً ؟؟ أم لعدم قناعة أصحاب القرار بضرورة هذه التبرعات للمدارس ومصاريفها ؟؟ أم أن الوزارة تظن بوجود موارد مالية أخرى في المدارس موارد تؤمن احتياجاتها ؟؟ أم أن التبرعات المدرسية – وهي مكرمة ملكية في الأصل – لم تكن هذه السنة على موازنة الوزارة ؟؟ أم أن توزيع موازنة الوزارة لم يكن من أولويتها المدارس ومصاريفها ؟؟
وهل اعتبرت الوزارة أن النشاط الصيفي في مخيم شويعر التابع للبرنامج الوطني والذي صرفت عليه من موازنتها (850) ألف دينار لصيانة للمكان بديل عن هذه التبرعات ؟؟ مع أن كل من زار المخيم يشهد أنه لا يجد من أثر هذا الصرف شيئاً ، أم أن المبلغ الذي صرحت الوزارة بأنها دفعته لتوفير المستلزمات و التي أشار لها الأمين العام (في حديثه للرأي) لتدريب (4000) طالب والذي وصل إلى ما يزيد على (مليون و650ألف دينار) للتغذية والمستلزمات ، والتي لم يجد منها الطلاب في أول يومين سوى الخبز اليابس وحبات بندورة ، بالإضافة إلى عشرات الآلاف المخصصة للمدربين والمشرفين والمواصلات والمرافقين وغيرها .
إن "برنامج التدريب الوطني" الذي هششنا بوجهه وبششنا ، وسعدنا بهذه الخطوة الاستراتيجية في طريق إعادة صياغة جيل من الفتيان أكثر جدية ووعياً بقضاياه الوطنية وانتماء لهذا الوطن وأهله ، قد تحول إلى كابوس من خلال المعسكر الأول في شويعر ، فأي درس قدمته الوزارة لهذا الجيل في التخطيط والإعداد والتنفيذ و صرف الموارد الوطنية واستثمارها وحسن الاستقبال والدقة وحسن الاختيار ؟؟ لقد كان درساً قاسياً في الإهمال بامتياز لدرجة أن الطلبة اكتفوا بيوم واحد أو أقل و تركوا المخيم .
كل هذا ، ونحن نستقبل عامنا الدراسي الجديد وما زالت مدارسنا تنتظر تبرعات العام الدراسي الماضي ، فعن أي روح إيجابية للمدير والمعلم تتحدثون ؟؟