دعم دول الطوق العربية لمواجهة التحديات
![دعم دول الطوق العربية لمواجهة التحديات دعم دول الطوق العربية لمواجهة التحديات](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/40977.jpg)
من الواضح أن إسرائيل لم ولن تغير من طبعها ومن فلسفتها وأهدافها رغم الجنوح العربي الرسمي للسلام ورغم توقيع اتفاقيات سلام مهمة واستراتيجية لها، وهي تحاول أن تضرب بعرض الحائط ذلك كله سعيا منها لتحقيق أهدافها المعلنة والكامنة، القديمة منها والمتجددة ، كهدفها في هدم المسجد الأقصى أو في ترحيل أعداد كبيرة من الفلسطينيين دون اعتبار لسيادة الدول أو حقوق الإنسان أو اتفاقيات السلام مع الجانب الفلسطيني أو العربي، وهي تمعن في سياسات الاعتداء والاستفزاز بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية العربية في القدس والخليل وبيت لحم ولا تتوانى عن القيام باعتداءات في دبي ودمشق وعمان وتونس ما استطاعت لذلك سبيلا ، حتى متحف الآثار العراقي لم يسلم من سرقاتها وحتى تاريخ الأهرام وتاريخ البتراء لم يسلما من مزاعمها المريضة.
أمام كل هذا الإمعان في العدوان، يتداول الناس - اتفاقا واختلافا - في سبل المواجهة الفعالة لهذه الغطرسة غير المسبوقة في علاقات الدول وفي القانون الدولي وفي حقوق الإنسان وفي حقوق الشعوب، وتتجه الأنظار إلى ثلاث حلقات أساسية من حلقات المواجهة الحقيقية لهذا العدوان المتواصل:
الحلقة الأولى وتتمثل في الجانب الفلسطيني قيادة وشعبا وقوى سياسية وغير سياسية، وإنه لمن نافلة القول أنه مطلوب من الفلسطينيين توحيد صفوفهم والتغلب على مشكلتهم الأساسية المتمثلة في الانقسام الحاد بين طرفي النظام السياسي الأساسيين. وإنه لمن المأمول أيضا أن يجري تعزيز الصف الداخلي بالتخفف كثيرا من أعباء الضغوطات الخارجية الموجهة لكلا الطرفين، وتلك مهمة مطلوبة من الطرفين بالقدر نفسه تقريبا، فلا شرقي ولا غربي بل المصلحة العليا للشعب الفلسطيني بالتنسيق المناسب مع الصف العربي رغم ما قد يسجل من تداخلات وتباينات بهذا القدر أو ذاك، لأن الصف العربي هو الضمانة الأكثر أمنا على المدى الطويل مهما كانت الكلفة الآنية لذلك، ثم الاستمرار في تعزيز صمود الناس وتحسين فرصهم الاقتصادية خصوصا.
أما الحلقة الثانية، فهي دول الطوق العربية : الأردن، سوريا، لبنان، مصر، وهي الدول التي تحملت وتتحمل العبء الأكبر منذ أن قام المشروع الصهيوني في أحضان هذه المنطقة. وبصرف النظر عن التمايزات أو الملاحظات التي قد يسجلها البعض هنا أو هناك في هذه الحلقة ، خصوصا لناحية تمايز سياساتها وافتراقها حول الكثير من الموضوعات وخصوصا توقيع بعضها معاهدات سلام مع الطرف الإسرائيلي، إلا أنها جميعا تشترك في الهم الأكبر وفي التحدي الأكبر وفي تحمل العبء الأكبر الناتج عن وجود هذا الكيان العدواني في مجالها الحيوي وتموضعه على خطوط التماس المباشر بحدودها جميعا.
يقتضي الإقرار بأهمية دور دول هذا الطوق الإقرار بأنه لا بد من دعم حقيقي لهذه الدول في المجالات التي تدعم من موقفها وتعزز من وضعها الداخلي وبما يعزز أيضا من تنسيق مواقفها معا كدول تشارك في الهم الأكبر، هم مواجهة التحدي الإسرائيلي وهم إفرازاته الكثيرة وخصوصا التماس مع الشعب الفلسطيني وهمومه التي تتفاعل يوميا في هذه الدول. ويأتي على رأس حقوق هذه الدول من شقيقاتها الدول العربية الأخرى، حقها في الدعم الاقتصادي والمالي المناسبين بما يخفف من الأعباء الداخلية لها، وهل من الضرورة التذكير بأهمية العامل الاقتصادي لجهة المنعة السياسية؟ وهل من الضرورة التذكير بأن هذه الدول جميعا ظلت تعاني قدرا كبيرا من المعاناة الاقتصادية بسبب تماسها المباشر مع الكيان الغريب ومشاكله الكثيرة. وهل من الضروري التذكير بأن هذه الدول جميعا تعاني من ديون خارجية تحد من خياراتها وترهق موازناتها، فهل يتوزع العبء وتتحمل الدول الأغنى بعضا من هذه المسؤولية على الأقل؟.
في هذا المستوى، أي دول الطوق ، يجب النظر إلى التمايزات والتباينات في القدرات والوقائع نظرة ايجابية بدل هذه النظرة السلبية التي تجعل من التباين مبررا لعدم التوافق. فلماذا لا ينظر إليه مصدرا للتكامل والتساند، فالأردن مثلا يقوم بدور سياسي ودبلوماسي فاعل على المستوى الدولي، وصوت قيادته في هذا الصعيد صوت مسموع ويحظى باحترام كبير. أما مصر فهي دولة لها إمكانيات ضخمة وثقل كبير لا يستهان به عندما يوظف في سياقه الصحيح، أما لبنان وسوريا، فهما أيضا يشكلان معا عاملا ضاغطا مؤرقا للاحتلال يمكن للجهد المشترك الإفادة منه وفق تفاهمات وتوازنات يتفق عليها، وأقلها الوضع الحالي حيث يمكن للتكامل أن يعطي حيوية لكل التموضعات الحالية للدول الأربع بحد أدنى من التفاهم والتنسيق.
فإذا ما استطاع النظام العربي الموائمة بين مواقفه وبين دعم حقيقي لدول الطوق عبر الدعم الاقتصادي بالدرجة الأولى، والدعم السياسي بالدرجة الثانية، وإذا ما استطاع هذا النظام مساعدة الفلسطينيين أيضا سياسيا بتشجيعهم على رص الصفوف وبتعزيز صمودهم وثباتهم عبر الدعم المالي والاقتصادي، تكون حلقات النظام العربي كلها فاعلة ومشاركة في مواجهة التحدي الإسرائيلي، فتتوزع الأعباء على الجميع بدل أن تظل ضاغطة على خمسة حلقات صغيرة من أصل السلسة التي تتكون من اثنين وعشرين حلقة. وكذلك تتوزع المكاسب عبر كبح جماح السياسة العدوانية الإسرائيلية التي تتوزع مخاطرها على الجميع بلا استثناء.
أخيرا، يجب التأكيد أن تعزيز أية حلقة من هذه الحلقات لن يجدِ نفعا ما لم يكن ذلك وفق رؤيا تكاملية متزامنة.
(عزام أبو الحمـام)