حزين
المصائب لاتأتي فرادى، هي تتجمع مثل غيمات رمادية في شتاء قارس وتندفع نحو أفق مفتوح، وقد تمطر، وقد تهطل بردا، أو نتفا من ثلج، أو تتفرق دون أن تلقي من حملها شيئا، وتبتعد مسرعة، وأحيانا تبقى في الأعالي لاهي ماطرة، ولاهي مثلجة، ولاهي ذاهبة، مثل شخص يتحجج بالأعذار عن فعل، مرة يقول، سأفعل، وفي أخرى يقول، لن أفعل، وفي ثالثة يقول، إمنحوني الفرصة رجاءا، أو الوقت. هكذا هي مصائب العراق، طغاة يحكمون، مفسدون يعيثون في الأرض ويخربون ولايعمرون، ساسة لايفقهون من السياسة إلا بمقدار فهم البهيمة بغريزتها أنها يجب أن تأكل، وأن تشرب، وأن تمارس الجنس، وتضع مولودا، وتحنو عليه حتى يكبر دون فهم، وقد تنفره كما تفعل الشاة مع وليدها الذي يبحث عن ثدي دافئ فلايجد إلا حضن الراعي الذي يربيه بالفعل، ولكنه يطمح منه أن يبيعه، أو أن يذبحه في يوم.
يحكم الطغاة العراق منذ فجر البشرية، منذ عرفنا حمورابي العظيم الذي صنع عظمته من تعذيب الفلاحين في بابل، والرعاة الذين يسرحون في المراعي على شاطئ الفرات، أو من غزوات للأمم الضعيفة من حواليه، وكان ينسج الأحكام والتعاليم والقوانين التي ترسخ حكمه، وتضعف الناس، فليس في العراق من قانون يقوي المجتمع، وكل القوانين هي أدوات السلطة القمعية. عليك أن تفعل، وتفعل، وتفعل مايرضي الطاغية ويبهجه على الدوام لتطول سني حكمه تمهيدا لمن يخلفه من أسرته، أو لمن من يحكم على شاكلته، ويسير بسيرته، ويواصل مسيرته المظفرة.
الصيف الساخن في العراق دفع الناس لتفهم اللعبة على إنها نوع من العذاب المتعدد الأوجه الذي لايسمح لك بالصمود، ولو صمدت كان ذلك نوعا من الحمق، فالعالم يعيش في بحبوحة، ولدى الناس في كل الدنيا طموحات وأحلام ورغبات تتحقق وأهداف تكبر وتتعدد فتجد مدن الدنيا وعواصم الدول الكبرى والصغرى مشرقة بالحياة والبهجة، وتبدو مظاهر التطور الصناعي والزراعي وصلاح البيئة ونظافة الأمكنة دلائل على الرقي والتطور والصدق في العمل والإخلاص في المسؤولية، في العراق تتعدد أشكال الجحيم، وكل جحيم يمثل بابا من أبواب جهنم السبعة، أبواب تتعدد وتنفتح على النار، سياسة فاشلة، وحطام سياسيين وبشر متعبون منهكون تائهون ضائعون آيسون، وإقتصاد مخرب ومنهار، ولصوص من جميع الجنسيات والأشكال والعشائر والمناطق، وإرهابيون يفدون الى جنة الله الواسعة التي يشترط لدخولها المرور بمحطة العراق، فالإرهابيون الذين يريدون الهروب الى الجنة عليهم أن يمروا بالعراق قبل الصعود الى السماء، كما العراقيون الذين يريدون الهروب الى أوربا فيمرون بتركيا.
الجحيم يتعدد وسخونة الأجواء تضرب الأدمغة والكهرباء معطلة، والسياسيون غير راغبين في صناعة قرار يمضي بنا الى المستقبل، إنهم فقط يريدون أن يسرقوا ويعيشوا النعيم، وماعلى العراقيين إلا أن يعيشوا في الجحيم، أو يهربوا.