لماذا يجب أن يتدخل الملك في كل شيء؟!
يبدو أن قدرنا في هذا البلد أن يبتلينا الله بحكومات تقول ما لا تفعل، وتفعل ما لا تقول، تتقن التنظير ـ كما هو حال الحكومة الحالية ـ وتتفنن في تعقيد حياة الناس كما فعلت هي وكثير من الحكومات التي سبقتها.
في رده على كتاب التكليف السامي في الثلاثين من آذار عام 2013، قال الدكتور عبدالله النسور إن الحكومة "ستعمل على توفير أرضية استثمارية تنافسية لجذب القطاع الخاص المحلي والعربي والأجنبي"، هذا ما قاله الدكتور النسور وقتها، ولأنه خلال ثلاثين شهراً من عمر حكومته الثانية لم ينفذ تعهداته، وجدنا جلالة الملك يتدخل بشكل مباشر، لوقف معاناة المستثمرين الذين ناشده عدد منهم للتدخل حين بلغت معاناتهم حداً لم يعد السكوت عنه أمراً مقدوراً عليه.
لذلك جاءت تصريحات جلالة الملك خلال زيارته الأخيرة للعقبة، حول ضرورة تحسين البيئة الاستثمارية، وتجاوز التحديات التي يواجهها القطاع الخاص حاسمة، وتحمل رسالة واضحة للحكومة بضرورة الاسراع في تحسين الإجراءات الحكومية في التعامل مع المستثمرين، فجلالة الملك يدرك أن الاستثمار لا ينعكس على الدولة وحدها، بل يسهم بشكل كبير في تخفيف حدة الفقر ومكافحة البطالة، ولذلك تجده يقول: "إذا ما أردنا محاربة الفقر والبطالة وخلق فرص عمل، فيجب تسهيل وتبسيط الإجراءات الحكومية المتعلقة بالمشاريع الاستثمارية، لا أن يتم تعطيلها عند كل صغيرة وكبيرة"، كما أشار إلى التعقيدات التي يقوم بها بعض الموظفين في المؤسسات الحكومية أمام المستثمرين الاجانب، وحث جلالته المسؤولين على الجرأة في اتخاذ القرارات المتعلقة بتسهيل الاستثمارات وجذبها.
أكثر ما يثير الاستغراب في الموضوع هي ردة فعل الحكومة حين "شنّت حرباً" على الإجراءات الحكومية الطاردة للإستثمار، وسعت لإحداث "ثورة" في التعامل مع المستثمرين بعد هذه التصريحات، وكأن الملك لم يأمر الدكتور عبدالله النسور بذلك حين كلفه بتشكيل حكومته الأولى، حين طلب منه تحسين البيئة الاستثمارية، وتذليل الصعوبات التي تواجه المستثمرين، وبذل المزيد من الجهود لاستقطاب الاستثمارات، ثم عاد جلالته وأكد على الموضوع في كتاب التكليف السامي الثاني للدكتور النسور.!
صحيح أن السلطة التنفيذية بحسب الدستور منوطة بالملك، لكن هذا لا يعني أن يباشر الملك كل صغيرة وكبيرة بنفسه، فالملك هو رأس الدولة ورمز البلاد، وتقع على عاتقه مسؤوليات كبيرة لعل أبرزها الصراع العربي الإسرائيلي وحماية المقدسات، إضافة إلى التوترات التي تشهدها المنطقة والتي تحيط بالأردن من كل جانب، فضلاً عن تصدّر جلالته الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب والتطرف، كما أنه يجوب مشارق الأرض ومغاربها دون كلل أو ملل لتدعيم علاقات الأردن بدول العالم، وجلب الاستثمارات للبلد وتشجيع المستثمرين على القدوم إليه، أما تسهيل عمل هؤلاء المستثمرين، وتذليل العقبات أمامهم فهو عمل الحكومة التي يفترض أنها تعرف ما هو مطلوب منها بشكل جيد.
طبعا هذه ليست المرة الاولى التي يتدخل فيها الملك لتوجيه مؤسسات الدولة كي تباشر عملاً هو من صلب مهامها، وهناك أمثلة كثيرة ـ لا مجال لحصرها هنا ـ على ملفات وقضايا ظلت عالقة دون معالجة أو حل إلى أن تدخل الملك فيها، ولعلّ من أبرز هذه الأمثلة دعوة جلالته البرلمان لتطوير نظامه الداخلي وإقرار مدونة سلوك لأعضائه، الأمر الذي يطرح سؤالاً كبيراً هو: هل يجب أن يتدخل الملك في كل شيء كي تسير الأمور كما ينبغي؟!!