فتح الملفات الثقافية العالقة

قبل أن أبدأ مقالي استرعى انتباهي العنوان الذي وضعته، وكأني أريد أن أتحدث عن طرق مغلقة بالثلوج أو الانهيارات، فهل حقاً هذه حال الثقافة عندنا في الأردن، أي بحاجة إلى من يقوم بتسليكها وفتح طرقها لتعود إلى أداء دورها الحقيقي للجماهير المتعطشة؟
تأتي مناسبة هذا الكلام بعد أن تلقيت قبل أيام "إيميل" من بعض الزملاء في الرابطة يريدون أن يعقدوا اجتماعاً صاخباً للإطاحة بثلاثة من أعضاء الهيئة الإدارية الحالية، على أساس أنهم أبادوا مائة ألف دينار خلال السنوات الثلاث الماضية ( يا ساتر هل تملك الرابطة مثل هذا الرقم ؟)، وشعرت بأن هذا الإجراء يأتي في ظل أجواء فتح ملفات الفساد في البلد، فقد دبت الحمى عند معظم القطاعات وطالت أخيراً الرابطة، موئل الكتاب العتيد!
ولست هنا في معرض الدفاع عن الزملاء الثلاثة، ولا التقليل من توجه الزملاء الآخرين في مناقشة أي موضوع يهم العمل الثقافي النقابي، فالرابطة ليست مقدسة، وهي معرضة عبر العاملين فيها إلى الصواب والخطأ، ولكن من غير المعقول أن تتم الإشارة إلى  أشخاص محددين بعينهم على أساس أنهم مصدر الخراب والمبددين لأموال الكتاب، فتلك مسائل بحاجة إلى محكمة لتقرر بشأنها، ولا يجوز أن تلقى الاتهامات جزافاً، ثم لماذا نسيان الأعضاء الآخرين في الهيئة الإدارية الذين عملوا خلال السنوات المقصودة وهم على الأقل عشرين عضواً، فالقرارات في الهيئة الإدارية لا تتخذ من أفراد محددين دون الرجوع إلى الهيئة ورئيسها أيضا، ولهذا أقول إنه إذا كانت هناك نية  لفتح ملف الرابطة فليتم الأمر بشكل احترافي، وعبر جلسات عمل بأوراق بحثية محددة، ولتكن في قمة الجرأة، أما أن يتم اللقاء المعني مع الكثير من الصوت العالي خلف الميكرفونات،والاتهامات الشفوية، فذلك أمر لا يفيد أحداً؟
تعالوا يا أصدقائي نفتح الملفات كلها من الألف إلى الياء إذن ولا نستثني أحداً.
فهل جرب أحدكم مثلاً أن يفتح ملف بيت الشعر الأردني وما قدمه حقيقية للحركة الشعرية والثقافية منذ أكثر من عشر سنوات، وأين يكمن الخلل، أو يتبدى النجاح؟
هل تساءل أحدكم لماذا يدعو مهرجان الشعر في الرمثا بعض الأشخاص أنفسهم منذ أكثر من عشر دورات، ولماذا يستمر دعمه إلى اليوم؟
هل تداعى الكتاب والفنانون يوماً لمناقشة غياب البرامج الثقافية عن التلفزيون الأردني والسبب العظيم لذلك؟
وهل فكر بعضكم أن يدب الصوت على رأي الزميلة " فيروز التميمي" للكوارث التي ترتكب في المناهج المدرسية سواء في اللغة العربية أو غيرها من المواد؟
وماذا عن الجهات الثقافية الأخرى الحكومية والخاصة، فأنا ضربت أمثلة لكم، والباقي عليكم..!
أذكر أنني نشرت مقالاً قبل سنوات في " الرأي" بعنوان " مكافحة الفساد الثقافي" وكنت أعمل حينها في وزارة الثقافة، أو على الأصح كنت " مجمدا" لثلاث سنوات متتاليات في عهد وزير سفير وصديق سابق،  طالبت فيه أن يتم الانتباه إلى نوعية أخرى من الفساد غير المادي الذي يستشري عندنا عبر الممارسات غير الثقافية المسيئة للبلد وأهله، وأذكر أن الأمين العام للوزارة وقف بباب مكتبي غاضباً يتوعد، وقد فهم أنه المقصود بالمقال- ولم يكن هو من قريب أو بعيد طبعا-  فيما شكرني الوزير في اليوم نفسه على المقال عينه لأنه يقول الحقيقة، فيما شعرت حينها بأن دم " الحقيقة " قد تفرق بين القبائل..!
أيها الأصدقاء...أيها الأحبة من أصحاب البيان الذي وصلني أو غيرههم:
حاولت أن أتخيل كثيراً أصدقاءنا الثلاثة المغضوب عليهم، وهم مصلوبين على جدار الرابطة ضحايا للمحاكمة التي تتهيأ لهم، والمائة ألف دينار قد عادت من رحم الغيب، وهي توزع  في صرر على الأعضاء العاطلين، وابناء السبيل المارين، والمؤلفة قلوبهم،  أو ترمى في مهرجان جماهيري حاشد لطلبة الجامعات على من يذكر أسماء خمسة أدباء أردنيين فقط من بين الألف أديب أو يزيد..!
حاولت كثيراً ، وصمتّ أخيرا فيما علا في رأسي صوت المقولة العظيمة:
من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر!
yahqaissi@gmail.com