رحيل «الولد الشقي» .. الكاتب الساخر محمود السعدني

المدينة نيوز - غيب الموت مساء أمس بالقاهرة الكاتب الصحافي الساخر «الولد الشقي» محمود السعدني عن عمر يناهز 82 عاما وبعد صراع مع المرض داهمه في السنوات الأخيرة وألزمه الراحة التامة في البيت. أصيب السعدني عصر أمس بأزمة قلبية حادة أُدخل على إثرها مستشفى الجيزة التخصصي، لكنه فارق الحياة، مودعا تاريخا من روح الفكاهة والدعابة والسخرية، طالما أنعش ذاكرة الكتابة في الحياة الثقافية في مصر والعالم العربي. وسوف تشيع جنازة الفقيد ظهر اليوم من مسجد الحامدية الشاذلية بمنطقة المهندسين بالجيزة عاش السعدني حياة مليئة بالمفارقات والصدامات، ومنذ بداياته الأولى في عالم الصحافة انخرط بقوة وفعالية في الحياة السياسية المصرية، عاش كواليسها ودهاليزها، وخبر تقلبات قادتها وزعمائها، واتسمت كتاباته بالسخرية والتهكم، فدفع بسببها أحيانا الثمن غاليا، وعرفت أقدامه أبواب السجون والمنافي، لكنه حمل قلمه بصدق وواقعية من منفى إلى آخر، وظل مخلصا لمبادئه وفيا لوطن يتسع لأوجاع الإنسان وأشواقه في الحرية والعدل والكرامة. وكما اكتسب السعدني لقب «الولد الشقي» الذي نحته لنفسه من كتاباته، كان أيضا فتى الصدامات الموجعة. فسجن في عهد عبد الناصر بتهم غير محددة، واتهم في عصر السادات بالاشتراك في محاولة الانقلاب على الحكم، فيما عرف بـ«مراكز القوى»، وتمت إدانته ومحاكمته أمام «محكمة الثورة» ودخل السجن لعدة سنوات.
ولد محمود السعدني في 28 فبراير (شباط) 1928 بالجيزة بالقاهرة الكبرى، وارتبط بها ارتباطا شديدا، وفي مطلع حياته في الخمسينات شارك في الندوة الأسبوعية الشهيرة بمقهى عبد الله الشعبية بميدان الجيزة، وكان من روادها الأوائل الملحن المعروف الشيخ زكريا الحجاوي، والشاعر محمود حسن إسماعيل، والكاتب عبد الرحمن الخميسي، والكاتب المسرحي نعمان عاشور. وكانت الندوة بمثابة أكبر تجمع للكتاب والمثقفين في مصر في تلك الفترة فكان من روادها الدكتور على الراعي والشاعران صلاح عبد الصبور ونجيب سرور، والناقد رجاء النقاش، والشيخ قطامش أحد أشهر المحامين الشرعيين وأحد ظرفاء العصر آنذاك. وقد خلد السعدني حوارات ذلك المقهى في كتابه «مسافر على الرصيف».
بدأ السعدني حياته الصحافية بالكتابة لجرائد ومجلات صغيرة كانت تصدر في شارع محمد علي، ثم عمل في مجلة «الكشكول» وبعدها في جريدة «المصري»، بعدها شارك في تحرير وتأسيس عدد كبير من الصحف والمجلات العربية في مصر وخارجها، ثم ترأس تحرير مجلة «صباح الخير» المصرية ليرفع توزيعها إلى معدلات غير مسبوقة، كما أصدر هو ورسام الكاريكاتير طوغان مجلة هزلية تم إغلاق أبوابها بسبب صراعه مع الرقابة.
وفي فترة منفاه بلندن أصدر ورأس تحرير مجلة «23 يوليو» من منفاه لتحقق معدلات توزيع مرتفعة في العالم العربي، ثم عاد إلى مصر من منفاه عام 1982 بعد اغتيال السادات واستقبله الرئيس مبارك مرحّبا به في بلده. انشغل السعدني في جل كتاباته بالكتابة الساخرة، فسجل بلغة ساخرة ذاكرة المجتمع الثقافي، من خلال حوارات المثقفين على المقاهي، وانتقد من خلالها الأوضاع الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وبدافع من هذه الروح عارض توفيق الحكيم في كتابه الشهير «عصفور من الشرق» بكتاب أصدره السعدني في 3 أجزاء عن فترة منفاه في لندن سماه «حمار من الشرق»، سجل فيه احتكاكه بالغرب، ورصد نماذج من حياة بعض المثقفين العرب المقيمين هناك، وفي هذا الكتاب أنعش السعدني ذاكرة أدب الرحلة، وجعل المعارضة الساخرة إحدى مقوماته الشيقة.
ترك السعدني للمكتبة الثقافية زادا خصبا تنوع ما بين القصة القصيرة، وكتابة المذكرات وأدب الرحلة، ومن أشهرها: «الولد الشقي» في خمسة أجزاء، و«رحلات ابن عطوطة» و«أمريكا يا ويكا» «والموكوس في بلد الفلوس»، و« مصر من تاني». كما عرفت أعماله مبكرا الدراما الإذاعية في أوج مجدها فتابع المصريون عن شغف في السبعينات مسلسل «الولد الشقي» والذي أذيع على ثلاثة أجزاء في الإذاعة المصرية، وقام ببطولته الممثل الشهير محمد رضا وصلاح السعدني (أخو محمود السعدني) والفنانة صفاء أبو السعود.
تمتع محمود السعدني بصلات قوية بعدد من الزعماء العرب منهم الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي والرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وفي عام 2006 اعتزل العمل الصحافي بسبب وطأة المرض.(الشرق الاوسط)