محاضرة عن اتـــفـــاق أوسلو في ملتقى إربد الثقافي

تم نشره الأحد 18 تشرين الأوّل / أكتوبر 2015 02:54 مساءً
محاضرة عن اتـــفـــاق أوسلو في ملتقى إربد الثقافي
الدكتور أسامة حسن عايش صالح

المدينة نيوز - : تجسيدا لفلسفة جامعة إربد الأهلية في تمازجها مع الحياض الحضاري الأردني، مأسسة، ومجتمعاً، وفكراً، وثقافة، ألقى الدكتور أسامة حسن عايش صالح، الباحث المتخصص في فلسفة التاريخ المعاصر / التاريخ السياسي، والأستاذ المحاضر في جامعة إربد الأهلية، ورئيس قسم متطلبات الجامعة فيها، محاضرة علمية نقدية، وفق منهجية قرائية نسقية، حول اتفاق أوسلو، المبرم في 13/9/1993، بين منظمة التحرير الفلسطينية، وحكومة الكيان الصهيوني، وذلك في قاعة ملتقى إربد الثقافي، بدعوة رسمية وتنظيمية من إدارة الملتقى، كأحد المؤسسات الفكرية في المجتمع المدني الأردني، يوم السبت الموافق 12/9/2015، بمناسبة مرور اثنين وعشرين عاما على توقيع الاتفاق رسميا برعاية أمريكية، والتي جاءت تحت عنوان:

" اِتـــِّــفـــَاقُ أٌوْسْــــلُو التــــَّارِيــــْخــــِيّ: قــــــِرَاءَةٌ ســــِيـــــَاســـــِيــــَّة نــــَقـــــْدِيـــــــَّة".

تمحورت الورقة البحثية للدكتور أسامة صالح حول ثلاثة محاور أساسية، تشكل في جوهرها ماهية الجدلية السياسية في ثنائية الصراع الفلسطيني الصهيوني حول فلسفة الوجود الحضاري، وأبعاده المستقبلية، وإن كان الصراع في ما ورائيته اغتصابا لفلسفة التاريخي الكنعاني السامي العروبي. تمثل المحور الأول بالنتاج المعرفي لأدلجة التاريخ والسياسة، والمتأطر حول الدراسات البحثية الإستراتيجية كبنائية تاريخية مُؤَسِّسَة لنصوص وثائقية مصدرية خاصة بالمأساة الفلسطينية، وحلولها السياسية المقترحة. وخُصص الثاني كمحور مفاهيمي دلالي يتصل أشكلة بالوعي التاريخي للمعاني العلمية لنصوص الاتفاق وجزيئاته المتشعبة. أما المحور الثالث فقد تجذر تفكيكياًٍ حول النظرية القرائية لاتفاق أوسلو كقراءة نقدية ممنهجة في خضم فلسفة التاريخ السياسي.

تناول الدكتور أسامة صالح بعضا من المشاريع السياسية لإنهاء التناقض الوجودي للثنائية الفلسطينية الصهيونية في الضفة الغربية وقطاع غزة من وجهة نظر صهيونية، والتي كان في مقدمتها مشروع إيجال ألون Yigal Allon (1918-1980)، الذي يمتلك نظرية علمية سياسية في مفهوم الأمن القومي الصهيوني، تتهيكل عمقا في خصوصية الجغرافيا والاستيطان المسلح، طرحه عام 1968 كمشروع أمني سياسي، أثناء عمله من ضمن الفريق السياسي لرئيس الوزراء الصهيوني الثالث، كشخصيات سياسية وظيفية، وليس كحكومات تراتبية، ليفي إشكول Levi Eshkol (1895-1969)، وقد عُرِفَ مشروعه بمسمى الضم الجزئي، القائم على ضم الأراضي القليلة السكان جغرافيا، والتخلي عن الكثافة السكانية سوسيولوجيا، مع عدم الممانعة لانضمام الضفة الغربية إلى الدولة الأردنية، شريطة انتفاء أي وجود عسكري أردني، مع تأمين الحدود الإسرائيلية الأردنية عن طريق إقامة مستوطنات أمنية مسلحة على طول امتدادها، وفقا لرؤيته. أما المشروع الثاني فهو مشروع موشيه دايان Moshe Dayan (1915-1981)، الذي كان وزيرا للدفاع في حكومتي ليفي إشكول، وغولدا مائير Golda Meir (1898-1978)، رابع رئيس وزراء صهيوني، وقد أطلق على مشروعه مسمى التقسيم الوظيفي، أي: اقتسام السيادة بين دولة الكيان الصهيوني والدولة الأردنية، حيث تعتبر الأرض جزءا من أرض الدولة الصهيونية، وتحت سيادتها، ويترك للفلسطينيين الاحتفاظ بالجنسية الأردنية الممنوحة لهم. ويعني هذا أن السيادة على الأرض كعنصر جغرافي خاص بالدولة الصهيونية، أما السيادة على العنصر الديمغرافي السكاني فهو للدولة الأردنية. أما المشروع الثالث فهو مشروع مناحم بيجن Menachem Begin (1913-1992)، رئيس الوزراء الصهيوني السادس، الذي طرحه في الكنيست في 28/11/1977، ويقوم أساسا على استبدال الحكم العسكري بحكم إداري ذاتي لمفهوم السكان، وإنشاء مجلس إداري منتخب، مع التأكيد على أن المشروع يتعلق بالسكان تحديدا، ولا علاقة له بالأرض لأنها أرض إسرائيلية بزعمه.

وأفرد الدكتور أسامة صالح في ورقته البحثية بعضا من الدراسات التاريخية الحديثة، والتقارير السياسية الأمنية، الصهيونية والغربية، التي سبقت اتفاق أوسلو، والتي من أهمها تقرير مركز يافي للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب، وهو المركز الأكاديمي الصهيوني الوحيد الذي يخصص دراساته وبحوثه وتقاريره لتناول القضايا التاريخية السياسية المعاصرة الخاصة بالأمن القومي لدولة الكيان الصهيوني. صدر التقرير عام 1989، بإشراف اللواء أهارون ياريف Aharon Yarriv ( 1920 – 1994 )، الذي تقلد منصب رئاسة المخابرات العسكرية الإسرائيلية ( أمان Aman )، وعمل مستشارا لرئيسة الوزراء غولدا مائير لما يسمى مكافحة الإرهاب. جاء تقرير الدراسة تحت عنوان: " الضفة الغربية وغزة – خيارات إسرائيل للسلام "، " Israel's Options For Peace:The Weast Bank and Ghaza ".

يضم تقرير مركز يافي عدة خيارات مطروحة على دولة الكيان الصهيوني لتحقيق ما يسمى عملية السلام مع الجانب الفلسطيني، ويذكر من هذه الخيارات ما يأتي: المحافظة على الوضع القائم في المرحلة التاريخية الآنية، إيجاد حكم ذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة، مشروع ضم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى دولة الكيان الصهيوني، الدفع باتجاه إقامة دولة فلسطينية على معظم أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، القيام بانسحاب أحادي الجانب من معظم أراضي قطاع غزة، وأخيرا إقامة فدرالية أردنية – فلسطينية تشمل الدولة الأردنية ومعظم أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. وخلص التقرير إلى استبعاد هذه الخيارات لتداخلاتها وتعقيداتها، مع التوصية بضرورة إيجاد تفكير فلسطيني إسرائيلي مشترك لحل إشكالية الصراع الثنائي ببعديه التاريخي والسياسي. أما خيار الدولة الفلسطينية من وجهة نظر إسرائيلية، كأحد الخيارات المدروسة في تقرير مركز يافي، فلم يُستبعد في ظل إجراء سلسلة من المفاوضات الثنائية المباشرة، مع التأكيد على أن هذا الخيار أقرب إلى الرؤية الفلسطينية منه إلى الرغبة الإسرائيلية. وفي ظل التوصل إلى اتفاق حول هذه الخيار، فقد شدد التقرير على ضرورة أن ينص الاتفاق على إلغاء حق العودة الفلسطيني، وأن تُحل ما تسمى مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عن طريق توطينهم عربيا، وتجريد المناطق الفلسطينية من السلاح، مع إجراء تعديلات جغرافية في حدود 1967، والاحتفاظ بالمستوطنات الإسرائيلية صهيونيا.

وأشار الدكتور أسامة صالح إلى التقرير الغربي الأمريكي الذي كتبه الباحث والدبلوماسي ورجل الاستخبارات الأمريكي غراهام فولر Graham Fuller، لحساب وزارة الدفاع الأمريكي، والذي صدر عن مؤسسة رند الأمريكية Rand Foundation، التي تعبر من أشهر مؤسسات البحث الأمريكية، وتقوم بأعمال البحث لأبرز المؤسسات والهيئات الحكومية الأمريكية في حقلي الدفاع والأمن. لقد صدر التقرير في شهر نوفمبر عام 1989، وكان تحت عنوان:" لماذا أصبحت الدولة الفلسطينية حتمية؟

" Why Palestinian State Is Now Invitable "، معتقدا أن قيام دولة فلسطينية في منطقة الضفة الغربية وقطاع غزة، هو الخيار الأكثر ترجيحا كنتيجة متوقعة في المدى الأبعد. واختتم الدكتور أسامة صالح الدراسات البحثية التاريخية، والسياسية الأمنية المنجزة غربيا لإنهاء الصراع الثنائي الفلسطيني الصهيوني، وإيجاد حل سياسي لما يُسمى تسوية النزاع العربي – الإسرائيلي، بإشارته إلى التقرير الإنجليزي الذي كتبه بول لالر Paul Lalor، لحساب المعهد الملكي للشؤون الدولية The Royal Institute Of International Affairs ، والذي صدر عام 1989، تحت عنوان: " نحو كيان فلسطيني "، " Towards a Palestinian Entity "، وتتمثل خلاصته في حل سياسي يقضي بقيام دولتين على أساس إجراء انسحاب إسرائيلي من الأراضي التي احتلتها عام 1967، أو من معظمها، وبضمانات دولية ملائمة للطرفين، مع استبعاد خيار الفدرالية الأردنية الفلسطينية، وترجيح ظهور دولة فلسطينية مشروطة سياسيا بالتخلي عن حق العودة الفلسطيني، وتعديل الحدود الجغرافية، وغيرها من التفاصيل المتشعبة.

وأوضح الدكتور أسامة صالح بأن اتفاق أوسلو التاريخي هو أول اتفاق رسمي مباشر بين الكيان الصهيوني والجانب الفلسطيني ممثلا بمنظمة التحرير الفلسطينية، واُشتهر تاريخيا بهذا المسمى بسبب المفاوضات السرية التي جرت في العاصمة النرويجية أوسلو Oslo، علما بأن التوقيع الرسمي جرى في العاصمة الأمريكية واشنطن Washington، يوم 13/9/1993، مشيرا إلى أن التطبيق الفعلي للاتفاق بدأ في 4/5/1994. وبين أن جوهر الاتفاق ينص على إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية، ومجلس تشريعي فلسطيني منتخب في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع انسحابات وسيطرة إسرائيلية متداخلة.

وفيما يتصل بالدلالات المفاهيمية للاتفاق، مسمى ونصوصا، ذكر الدكتور أسامة صالح بأن عنونة اتفاق أوسلو التاريخي دونت كما يأتي: إعلان المبادىء المتعلق بترتيبات الحكم الذاتي المؤقت، Declaration Of Principles On Interim Self – Government Arrangements، موردا أمثلة على التأويل الدلالي للمفاهيم التاريخية السياسية في نصوص الاتفاق، من ذلك عدم تضمين مفهوم الوطن والوطنية الفلسطينية. فقد نصت المادة الأولى ،المتعلقة بهدف المفاوضات، Aim Of The Negotiations، على تأسيس سلطة حكم ذاتي فلسطيني مؤقت، A Palestinian Interim Self-Government Authority

كما أن هناك استخدامات لغوية، ومفاهيم مبهمة في معانيها ودلالاتها السياسية، من مثل تعبير ورد في نص أولى مواد الاتفاق، بجانب أمور أخرى among Other Things. والمراوحة بين استخدام تعبير الشعب الفلسطيني، والفلسطينيين، مما يوحي بعدم الإقرار بوجود الشعب الفلسطيني، كما ورد في المواد الأولى، والثالثة، والثامنة، The Palestinian People , The Palestinians .

ونوَّه الدكتور أسامة صالح إلى وجود الكثير من الأبحاث والدراسات، العربية، والعبرية، والغربية تناولت اتفاق أوسلو كل من زاويته، وأبعاده السياسية، إلا أنه أورد بعض الجوانب النقدية المعمقة، التي تمس الدلالة السياسية لنظرية الوجود الفلسطيني في ظل ثنائيته الصراعية الصهيونية بنص الاتفاق وأبعاده الدفينة، والتي يذكر منها الآتي، مثالا لا حصرا: اعترف الجانب الفلسطيني بحق الكيان الصهيوني في الوجود، وشرعية اغتصابها واحتلالها للأرض الفلسطينية عام 1948، والتي تشكل ما نسبته 78% من مفهوم فلسطين التاريخي. كما أن الاتفاق لا يعترف مطلقا بأن أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، بالرغم من ضآلة المساحة الجغرافية، هي أرض فلسطينية عربية، بل النصوص المدونة تدفع باتجاه الإقرار على أنها أراضٍ متنازع عليها. يضاف إلى ذلك عدم إقرار الجانب الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، هذا فضلا عن وأد فكرة قيام الدولة الفلسطينية، حتى وفق التوصيف الصهيوني، وذلك لأن أمر تطبيق نصوص الاتفاق أُسِّسَ على قاعدة توافق الطرفين، بالرغم من أنهما يشكلان نقيضا، مفهوما ووجودا. ولأن السلطة الفلسطينية تحولت بفعل الاتفاق إلى كيان وظيفي أمني إداري تراتبي نفعي. وختم الدكتور أسامة صالح ندوته الفكرية بالتنويه إلى دور النخب المثقفة الفلسطينية في قراءتها، ونقدها للاتفاق، موردا بعض الأمثلة في هذا السياق، والتي من أبرزها الموقف النقدي لكل من هشام شرابي، الذي كان الرئيس الأمريكي بيل (ويليام) كلينتون Bill (William) Clinton ، من أشعر تلامذته في جامعة جورج تاون Georgetown University، وهو نفسه الذي أشرف رسميا على عقد اتفاق أوسلو، وإدوارد سعيد، صاحب النظرية العلمية النقدية الاستشراقية،كأهم المفكرين الفلسطينيين المؤثرين في الحضارة الغربية، فكرا ونهجا ونتاجا.

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات