حريق في الإقليم
يتواصل مسلسل القتل في العراق وسوريا وبنسب مختلفة في بلدان عربية وشرق أوسطية عديدة ومنذ سنوات طالت وإمتدت وتسبب الصراع خلالها بقتل آلاف من الأبرياء والمقاتلين الذين ينتمون الى مكونات دينية وعرقية متنوعة وصارت آلة القتل تحصد المزيد من الأرواح مع مايرافق ذلك من تدمير للبنيان وخراب للبنى التحتية، ووقف لحركة الإقتصاد والحياة والعمران كما حصل في مدن عراقية عدة وسورية لم يبق فيها من أثر للإنسان وللحياة بأشكالها المختلفة التي كانت تضج هنا وهناك وترسم معالم أمل ذوى وإنتهى ولم يعد له من وجود.
حين يتواصل القتل والتهجير ويصر المتحاربون على الوصول الى نقطة الهاوية فإنهم يفتحون الباب على مصراعيه لمزيد من الكوارث التي تدمر حياة الناس العاديين فيكون الثأر والهمجية سبيلا لتحقيق الأهداف غير المشروعة مع إن كل مايفعله هولاء يتحول الى المشروعية لغياب القانون وضياع فرص التفاهم وبناء مشاريع الوعي لدى المجموعات البشرية التي لم تعد تبحث عن الحياة والأمل وصناعة الغد بل، تركز فقط على إستمرارها في حياة ضائعة لاخيار لها فيها وتدفع أثمانا مضاعفة نتيجة التخوف من الأحداث القادمة والمصير المجهول للمنطقة.
في أثناء الصراع الطائفي بعد العام 2003 قتل آلاف من العراقيين، ونزح ملايين عن قراهم ومدنهم، وجرى تغيير ديموغرافية البلاد الى شكل مختلف، حيث تم تهجير الأسر التي تنتمي لأقلية في منطقة أكثرية مخالفة دينيا، وصارت الأعباء الإقتصادية تتراكم على المدن التي إستقبلت المهجرين وتطلب ذلك توفير فرص عمل غير محدودة مع ضعف في الإقتصاد وغياب للتخطيط، بينما إستمر نزف الأموال الطائلة على المشاريع الوهمية وتلك التي تسرق من قبل المفسدين من المسؤولين ومن يتعاون معهم، بينما عجزت الحكومات المتعاقبة عن فعل شئ ينقذ ماتبقى من كيان الدولة.
العراق بحاجة الى تخطيط متوازن وعدم الإكتفاء بالتنظير والحديث عن إصلاحات وإعادة هيكلة وهو ما قد لايتحقق في الفترة المقبلة ولم يتوفر في الفترة الماضية، بينما يطالب به الناس ويتظاهرون من أجله في مناسبات مختلفة لم تكن كافية لوقف التدهور وتعديل المسار بشكل، أو بآخر.
المنطقة كلها تغلي، ولايبدو من أفق لحل المشاكل ووقف الصراعات الملتهبة، ونحن في الواقع نستعد لمراحل قادمة أكثر سوءا مما سبق ولافرصة للتخلص من ذلك إلا بالتضامن والتعاون والتنازل وإحترام الآخر، ولانعلم متى سيتوفر الإستعداد لدى الجميع ليتوافقوا، فالإقصاء والتهميش ورفض الآخر عناوين عريضة لمستقبل مجهول.