يومٌ بلا سيّارات

تم نشره الجمعة 13 تشرين الثّاني / نوفمبر 2015 12:07 صباحاً
يومٌ بلا سيّارات
عبدالرزّاق الربيعي

لأنّنا ولدنا على ظهور السيارات، فمن الصعب لنا أن نتخيل الحياة بدونها ، لأنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من مشهد المدينة العام، مثلما كان أجدادنا يستخدمون الخيول، والإبل، والحمير لتكون من مظاهر مشهد الحياة العامّة ، ولأنني لا أحب ركوب السيارات، ولليوم لا أقود سيارة، أحاول قضاء حوائجي سيرا على الأقدام، ما استطعت إلى ذلك سبيلا، مع ضرورة الإشارة إلى إنّني لا أدّعي أنّ بإستطاعتي الاستغناء عن "الحصان الحديدي"، الذي يقطع الدروب، ويختصر المسافات، وله ما له من أفضال علينا منذ اخترع جوزيف نيكولاس كونيوت عام 1769م أوّل سيّارة تعمل بالبخار بلغت أقصى سرعة لها 4 كيلومترات في الساعة، بسبب ثقلها ، ومع هذا البطء، الذي لم يكن يجعل هناك حاجة لنصب "الرادارات "في الطرق إلّا أنّها تحطّمت بعد أن اصطدمت بجدار!! فطويت الصفحة الأخيرة من حياتها ، لكن استمرّت محاولات العلماء في تطوير هذه الآلة حتى عام 1885 م عندما إخترع كارل بنز سيارة تعمل بمحرك في المانيا، ومن ذلك الوقت، والدخان ينشر سحائبه في رئات الشوارع، فكان لابدّ من العودة إلى الوراء قليلا لالقاء نظرة على تلك الشوارع، لكن بدون سيّارات.

فهل نستطيع تخيّل ذلك؟

في مقال سابق، كنت قد عدّدت فوائد المشي كونه ضروريّا ليس للجسم فقط ،بل للصحة النفسية، إذ يخفّف من الضغوطات النفسيّة، والطاقة السلبية، ويتيح مجالا للتأمل، لهذا ظهر"المشاؤون" في أثينا العام 335 ق من اتباع الفيلسوف أرسطو، وهي من أشهر مدارس اليونان الفلسفيّة، وكان المشاؤون يعتقدون "إن هضم الأفكار، واستيعابها يكون فعّالا أثناء السير، والمشي" ولهذا نجحت، واستمرّت الف عام !

وكان الكاتب نجيب محفوظ مشّاءً عتيدا يقطع الطريق من بيته في منطقة الجيزة مترجّلا مع انبلاج الفجر سائرا على كورنيش النيل عابرا إلى الجهة الأخرى بميدان التحرير، ثم الجلوس في مقهى "وادي النيل" ليقرأ الصحف، ويحتسي الشاي، ثم يسير على قدميه من ميدان التحرير إلى شارع الجلاء متوجّها إلى مكتبه بجريدة "الأهرام"، قاطعا حوالي سبعة كيلومترات كونه يعاني من الإصابة بالسكري منذ كان عمره22 سنة، ولم يستخدم أيّ علاج سوى المشي المعروف بفوائده الجمّة كتنشيط الدورة الدموية ، وحرق الكثير من الدهون ، وشيئا فشيئا بدأ العالم يدرك فوائد المشي ، خصوصا بعد معرفة الضغوط التي تسببها السيارات، لذا ظهرت شوارع المشي، كما رأيت في بكين، ولا يمكنني أن أنسى شارع الاستقلال باسطنبول الذي يرتاده 3ملايين سائح في اليوم الواحد، ومؤخّرا نقلت وكالات الأنباء عن تخصيص يوم كامل امتدّ بين الساعة التاسعة صباحاً والرابعة عصراً، بلا سيارات في باريس وجاء ذلك "في إطار جهود المدينة لمكافحة تلوّث الهواء،فخلت طرق وسط العاصمة الفرنسية والمناطق حول معالمها، مثل برج «إيفل» والشانزليزيه، من ضوضاء السيارات وأدخنة العوادم، لتتيح للناس الفرصة للمشي، فيما جرى استثناء سيارات الأجرة، والحافلات، وسيارات الطوارئ من هذا الإجراء"، وذلك للتأكيد إن باريس «يمكن أن تحيا من دون سيارات»، كما قالت آن هيدالغو رئيسة بلدية باريس، أما عندنا فالكثيرون يكرّرون إن الأجواء الحارة في منطقة الخليج لاتساعد على ممارسة رياضة المشي، لذا اعتمد سكان المنطقة على استخدام السيّارات في تنقلاتهم، وهذا جعل من الصعب تصوّر مسقط من دون سيارات لكن يمكن استثمار فترة اعتدال الجو في الشتاء للقيام بحملات إعلامية، واعلانية تحت عنوان" يوم بلا سيارات" وحبّذا لو يجري تطبيق هذه الدعوات أسبوعيا في الولايات ، بحيث يتوقف سير المركبات الشخصية لمدة يوم في كل ولاية، وهذا يوفّر البترول، وقطع الغيار، ويشجّع على استخدام المواصلات العامة، ويقلل من نسبة التلوث في البيئة، والحوادث ، ويشجّع على ممارسة رياضة المشي ،فيضفي المشاؤون حيويّة على المشهد العام للشوارع التي ستدبّ بها الحركة ، وتمتليء بالنشاط البشري ، وتنعدم أصوات أجهزة التنبيه التي تطلقها السيّارات، ونرتاح من الدخان المنبعث من عوادمها ، ولو ليوم واحد.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات