مرة أخرى يطل الاحتكار بوجهه القبيح
في وقت قد يكون تم إختياره بعناية حيث المعظم الفلسطيني مشغول و منشغل بمتابعة الاخبار السياسية ، و بهدوء شديد لا يتناسب مع خطورة الموضوع ، يتم الاعلان عن توقيع إتفاقية بين صندوق الاستثمار الفلسطيني ، بصفته الوصي نيابة عن الشعب الفلسطيني على حقول الغاز الفلسطيني في سواحل قطاع غزة مع تجمع من شركات القطاع الخاص الكبرى منها " صندوق الاستثمار الفلسطيني، وشركة (باديكو)، ومجموعة الاتصالات الفلسطينية ، ومجموعة البنك العربي، وشركة اتحاد المقاولين (CCC)و آخرين لتوريد الغاز الفلسطيني في سواحل قطاع غزة إلى محطة جنين في شمال الضفة الفلسطينية. لم يوضح الخبر أي تفاصيل إضافية ذات قيمة ، فليس واضحا كيف سيتم ضخ الغاز من بحر غزة إلى جنين ؟ أو قيمة العقد أو مدته ؟ وهل سيتم تزويد قطاع غزة بالغاز ليس ضمن الاتفاق ؟ و متى سيتم التنفيذ و غيرها من التفاصيل المهمة جدا.
يتوجب التأكيد هنا أن موارد فلسطين الطبيعية و البشرية هي من حق كل فلسطين بغض النظر عن موقع وجودها إو إكتشافها ، بل أن الحالة الفلسطينية تستوجب تعزيز الترابط الاقتصادي بين محافظات الوطن جميعا و تعزيز التبادل التجاري و الثقافي بينها بما يساهم في تعزيز الشعور الوطني. كذلك نؤكد أن توظيف الموراد الطبيعية في فلسطين لمصلحة شعبها و اقتصادها هو محمود جدا لتقليل الاعتماد المتزايد على الدول المانحة و تعزيز السيادة الوطنية ، لكن يجب أن يتم ذلك بشفافية تامة بما يحقق المصلحة العليا للمعظم الفلسطيني.
عودة للعقد ذاته الذي تشوبه الكثير من العيوب القانونية مما يجعله غير قانوني و يتوجب فسخه ، مثلا بعض الشركات ذات العلاقه به مثل صندوق الاستثمار و شركة CCC صاحبة محطة توليد الكهرباء بغزة و صاحبة العقد الحصري الذي يمتد لعشرين عاما تمتلك حصة كبيرة في حقول الغاز و هي كذلك التي حصلت على عقد إنشاء و تشغيل محطة توليد الطاقة الكهربائية في شمال الضفة الغربية. أي انهم يبيعون لأنفسهم . العقد لم يعلن للعموم و لم يتم مناقشة بنوده مع المجتمع و لم يتم عرضه على المجلس التشريعي المتعطل من ثماني سنوات. العقد يعزز حالة الاحتكار و الاستلاب التي تمارسها الشركات الكبيرة على الاقتصاد الفسطيني مما جعله أسيرا لها .
مرة أخرى يتحالف رأس المال مع السلطة حيث تتداخل المصالح والقضايا العامة في الكثير من المجالات على سبيل المثال لا الحصر الاسمنت و الكهرباء و البنوك و التأمين و الاتصالات و التبغ و غيرها من المجالات الحيوية مع السلطة بمفاصلها المتعددة و آخرها إعادة إعمار قطاع غزة . يحدث هذا منذ نشوء السلطة الفلسطينية مستغلة إنشغال المعظم في القضايا السياسية في البداية و مستفيدة بشكل كبير من حالة الانقسام لاحقا حيث وفر الانقسام الداخلي فرصة ذهبية لهذه الشركات للسيطرة على مفاصل الاقتصاد و المجتمع الفلسطيني.
لقد دفع الاحتكار بالمجتمع الفلسطيني إلى حفرة الفقر و الحرمان و عمق الهوة بين الاثرياء و باقي الشرائح في المجتمع الفسطيني و أضعف الطبقة الوسطى ، رغم أهمية دورها في حفظ التوازن و الانسجام في المجتمع . الاحتكار كان و مازال أحد الاسباب الاساسية في التدهور الاقتصادي و التراجع في مستويات المعيشة للشعب الفلسطيني و إضعاف روح المنافسة في الاقتصاد الفلسطيني. الاحتكار يعطي مزايا هائلة للأقلية المحتكرة على حساب آلاف الشركات الصغيرة و الصغيرة جدا والتي تشكل العمود الفقري للإقتصاد الفلسطيني .
إن تداعيات هذا العقد الاحتكاري خاصة اكثر من خطيرة و على أكثر من صعيد ، ليس فقط على صعيد إستنزاف الموارد الطبيعية و تعميق حالة الاحتكار و الهوة بين الاثرياء و غالبية الشعب الفلسطيني. بل يتعداه إلى ماهو أخطر و هو أن قطاع غزة و مشاكله و مستقبله ليس على ضمن حسابات النظام السياسي الفلسطيني . قطاع غزة الذي ينمو سكانيا بشكل كبير و تتضخم مشاكله سيصبح غير قابل للحياة خلال عدة سنوات حيث ما يشير إليه الواقع و التقارير الدولية أيضا.
إن تزويد جنين بالغاز الفلسطيني في البحر المتوسط خطوة إيجابية و وطنية جدا رغم الشك أن ذلك سيصب في صالح المواطن البسيط ، لكن قطاع غزة الذي يعاني منذ سنوات طويلة كارثة انقطاع الكهرباء و تأثيراتها المدمرة على جميع جوانب الحياة حاليا و مستقبلا من حقه أيضا أن يكون على سلم أولويات الحكومة و صندوق الاستثمار الفلسطيني و النظام السياسي برمته . خاصة أن محطة التوليد التي شغلت عام 2000 قد تم تصميمها كي تتحول على الغاز الطبيعي لاحقا بدلا من البترول الصناعي المستورد من إسرائيل و الذي يشكل شراءه عبئا كبيرا على موازنة السلطة و المواطن . كذلك فإن إستخدام الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء كفيل بتخفيض تكلفة الكهرباء بشكل كبير.
السؤال : ما هو موقف القوى السياسية من مثل العقد الاحتكاري الذي يتم دون أي رقابة من قبل المؤسسسات الرقابية الرسمية و الشعبية ! ما هو موقف السيد رئيس الوزراء الذي زعم بشكل قاطع قبل اسابيع قليلة أن حكومته هي الاكثر شفافية في العالم حتى من حكومات السويد و سويسرا و اليابان!
يبدو أن ما كتبته قبل عدة سنوات كان صوابا:
ما أقرب غزة لنيجيريا رغم تباعد الجغرافيا ، نيجيريا من أكبر مصدري النفط في العالم و هي من أكثر مناطق العالم فقرا، يموت مئات النيجيرون و هم يحاولون الحصول على بضع لترات من نفطهم الذي يتدفق من بين عيونهم و يعاني المواطنون الفلسطينيون في قطاع غزة من إنقطاع الكهرباء و الغاز في حين ان حقول الغاز في عرض المتوسط على مرأى منهم .